قوله تعالى :
وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد
وقوله تعالى :
وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها قيل : " تولى وسعى " من فعل القلب ، فيجيء " تولى " بمعنى ضل وغضب وأنف في نفسه . و " سعى " أي سعى بحيلته وإرادته
[ ص: 18 ] الدوائر على الإسلام وأهله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج وغيره . وقيل : هما فعل الشخص ، فيجيء تولى بمعنى أدبر وذهب عنك يا
محمد . و سعى أي بقدميه فقطع الطريق وأفسدها ، عن
ابن عباس وغيره . وكلا السعيين فساد . يقال : سعى الرجل يسعى سعيا ، أي عدا ، وكذلك إذا عمل وكسب . وفلان يسعى على عياله أي يعمل في نفعهم .
قوله تعالى : " ويهلك " عطف على " ليفسد " . وفي قراءة
أبي " وليهلك " . وقرأ
الحسن وقتادة " ويهلك " بالرفع ، وفي رفعه أقوال : يكون معطوفا على " يعجبك " . وقال
أبو حاتم : هو معطوف على " سعى " لأن معناه يسعى ويهلك ، وقال
أبو إسحاق : وهو يهلك . وروي عن
ابن كثير " ويهلك " بفتح الياء وضم الكاف ، " الحرث والنسل " مرفوعان ب " يهلك " ، وهي قراءة
الحسن وابن أبي إسحاق وأبي حيوة وابن محيصن ، ورواه
عبد الوارث عن
أبي عمرو . وقرأ قوم " ويهلك " بفتح الياء واللام ، ورفع الحرث ؛ لغة هلك يهلك ، مثل ركن يركن ، وأبى يأبى ، وسلى يسلى ، وقلى يقلى ، وشبهه . والمعني في الآية
الأخنس في إحراقه الزرع وقتله الحمر ، قاله
الطبري . قال غيره : ولكنها صارت عامة لجميع الناس ، فمن عمل مثل عمله استوجب تلك اللعنة والعقوبة . قال بعض العلماء : إن
من يقتل حمارا أو يحرق كدسا استوجب الملامة ، ولحقه الشين إلى يوم القيامة . وقال
مجاهد : المراد أن الظالم يفسد في الأرض فيمسك الله المطر فيهلك الحرث والنسل . وقيل : الحرث النساء ، والنسل الأولاد ، وهذا لأن النفاق يؤدي إلى تفريق الكلمة ووقوع القتال ، وفيه هلاك الخلق ، قال معناه
الزجاج . والسعي في الأرض المشي بسرعة ، وهذه عبارة عن إيقاع الفتنة والتضريب بين الناس ، والله أعلم .
وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830443إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده . وسيأتي بيان هذا إن شاء الله تعالى .
قوله تعالى :
الحرث والنسل الحرث في اللغة : الشق ، ومنه المحراث لما يشق به الأرض . والحرث : كسب المال وجمعه ، وفى الحديث :
احرث لدنياك كأنك تعيش [ ص: 19 ] أبدا . والحرث الزرع . والحراث الزراع . وقد حرث واحترث ، مثل زرع وازدرع ويقال : احرث القرآن ، أي ادرسه . وحرثت الناقة وأحرثتها ، أي سرت عليها حتى هزلت وحرثت النار حركتها . والمحراث : ما يحرك به نار التنور ، عن
الجوهري . والنسل : ما خرج من كل أنثى من ولد . وأصله الخروج والسقوط ، ومنه نسل الشعر ، وريش الطائر ، والمستقبل ينسل ، ومنه
إلى ربهم ينسلون ،
من كل حدب ينسلون وقال
امرؤ القيس :
وإن كنت قد ساءتك مني خليقة فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
قلت : ودلت الآية على
الحرث وزراعة الأرض ، وغرسها بالأشجار حملا على الزرع ، وطلب النسل ، وهو نماء الحيوان ، وبذلك يتم قوام الإنسان . وهو يرد على من قال بترك الأسباب ، وسيأتي بيانه في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى .
قوله تعالى :
والله لا يحب الفساد قال
العباس بن الفضل : الفساد هو الخراب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : قطع الدراهم من الفساد في الأرض . وقال
عطاء :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837629إن رجلا يقال له عطاء بن منبه أحرم في جبة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزعها . قال
قتادة : قلت
لعطاء : إنا كنا نسمع أن يشقها ، فقال
عطاء : إن الله لا يحب الفساد .
قلت : والآية بعمومها تعم كل فساد كان في أرض أو مال أو دين ، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى . قيل : معنى لا يحب الفساد أي لا يحبه من أهل الصلاح ، أو لا يحبه دينا . ويحتمل أن يكون المعنى لا يأمر به ، والله أعلم .