صفحة جزء
التاسعة : الصحيح من هذه الأقوال قول الشافعي وأحمد ومالك في القول الآخر ، وأن الفاتحة متعينة في كل ركعة لكل أحد على العموم ; لقوله صلى الله عليه وسلم : لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ، وقوله : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثا . وقال أبو هريرة : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي أنه : ( لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما [ ص: 117 ] زاد ) أخرجه أبو داود . كما لا ينوب سجود ركعة ولا ركوعها عن ركعة أخرى ، فكذلك لا تنوب قراءة ركعة عن غيرها ; وبه قال عبد الله بن عون وأيوب السختياني وأبو ثور وغيره من أصحاب الشافعي وداود بن علي ، وروي مثله عن الأوزاعي ; وبه قال مكحول .

وروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وأبي بن كعب وأبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبادة بن الصامت وأبي سعيد الخدري وعثمان بن أبي العاص وخوات بن جبير أنهم قالوا : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب . وهو قول ابن عمر والمشهور من مذهب الأوزاعي ; فهؤلاء الصحابة بهم القدوة ، وفيهم الأسوة ، كلهم يوجبون الفاتحة في كل ركعة .

وقد أخرج الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني في سننه ما يرفع الخلاف ويزيل كل احتمال فقال : حدثنا أبو كريب حدثنا محمد بن فضيل ، ح ، وحدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر جميعا عن أبي سفيان السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد لله وسورة في فريضة أو غيرها . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال للذي علمه الصلاة : وافعل ذلك في صلاتك كلها وسيأتي . ومن الحجة في ذلك أيضا ما رواه أبو داود عن نافع بن محمود بن الربيع الأنصاري قال : أبطأ عبادة بن الصامت عن صلاة الصبح ; فأقام أبو نعيم المؤذن الصلاة فصلى أبو نعيم بالناس ، وأقبل عبادة بن الصامت وأنا معه حتى صففنا خلف أبي نعيم ، وأبو نعيم يجهر بالقراءة ; فجعل عبادة يقرأ بأم القرآن ; فلما انصرف قلت لعبادة : سمعتك تقرأ بأم القرآن وأبو نعيم يجهر ؟ قال : أجل ! صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة فالتبست عليه ; فلما انصرف أقبل علينا بوجهه فقال : هل تقرءون إذا جهرت بالقراءة ؟ فقال بعضنا : إنا نصنع ذلك ; قال : فلا . وأنا أقول ما لي ينازعني القرآن فلا تقرءوا بشيء من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن . وهذا نص صريح في المأموم . وأخرجه [ ص: 118 ] أبو عيسى الترمذي من حديث محمد بن إسحاق بمعناه ; وقال : حديث حسن . والعمل على هذا الحديث في القراءة خلف الإمام عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ; وهو قول مالك بن أنس وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ، يرون القراءة خلف الإمام . وأخرجه أيضا الدارقطني وقال : هذا إسناد حسن ، ورجاله كلهم ثقات ; وذكر أن محمود بن الربيع كان يسكن إيلياء ، وأن أبا نعيم أول من أذن في بيت المقدس . وقال أبو محمد عبد الحق : ونافع بن محمود لم يذكره البخاري في تاريخه ولا ابن أبي حاتم ; ولا أخرج له البخاري ومسلم شيئا . وقال فيه أبو عمر : مجهول . وذكر الدارقطني عن يزيد بن شريك قال : سألت عمر عن القراءة خلف الإمام ، فأمرني أن أقرأ ، قلت : وإن كنت أنت ؟ قال : وإن كنت أنا ; قلت : وإن جهرت ؟ قال : وإن جهرت . قال الدارقطني : هذا إسناد صحيح . وروي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإمام ضامن فما صنع فاصنعوا . قال أبو حاتم : هذا يصح لمن قال بالقراءة خلف الإمام ; وبهذا أفتى أبو هريرة الفارسي أن يقرأ بها في نفسه حين قال له : إني أحيانا أكون وراء الإمام ، ثم استدل بقوله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرءوا يقول العبد الحمد لله رب العالمين الحديث .

[ ص: 119 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية