قوله تعالى :
نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين
فيه ست مسائل :
الأولى :
قوله تعالى : نساؤكم حرث لكم روى الأئمة واللفظ
لمسلم عن
جابر بن [ ص: 87 ] عبد الله قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=831560كانت اليهود تقول : إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول ) ، فنزلت الآية نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم زاد في رواية عن
الزهري :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831561إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية غير إن ذلك في صمام واحد . ويروى : في سمام واحد بالسين ، قاله
الترمذي . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
نافع قال : كان
ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه ، فأخذت عليه يوما ، فقرأ سورة " البقرة " حتى انتهى إلى مكان قال : أتدري فيم أنزلت ؟ قلت : لا ، قال : نزلت في كذا وكذا ، ثم مضى . وعن
عبد الصمد قال : حدثني أبي قال حدثني
أيوب عن
نافع عن
ابن عمر :
فأتوا حرثكم أنى شئتم قال : يأتيها في . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي : يعني الفرج . وروى
أبو داود عن
ابن عباس قال : ( إن
ابن عمر - والله يغفر له - وهم ، إنما كان هذا الحي من
الأنصار ، وهم أهل وثن ، مع هذا الحي من يهود ، وهم أهل كتاب : وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، وكان من أمر أهل الكتاب ألا يأتوا النساء إلا على حرف ، وذلك أستر ما تكون المرأة ، فكان هذا الحي من
الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من
قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، فلما قدم
المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من
الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه ، وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف! فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، حتى شري أمرهما ؟ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل :
فأتوا حرثكم أنى شئتم ، أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، يعني بذلك موضع الولد . وروى
الترمذي عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831562جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هلكت! قال : ( وما أهلكك ؟ ) قال : حولت رحلي الليلة ، قال : فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، قال : فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة قال : هذا حديث حسن صحيح . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
أبي النضر [ ص: 88 ] أنه قال
لنافع مولى
ابن عمر : قد أكثر عليك القول . إنك تقول عن
ابن عمر : ( أنه أفتى بأن يؤتى النساء في أدبارهن ) . قال
نافع : لقد كذبوا علي! ولكن سأخبرك كيف كان الأمر : إن
ابن عمر عرض علي المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ :
نساؤكم حرث لكم ، قال
نافع : هل تدري ما أمر هذه الآية ؟ إنا كنا معشر
قريش نجبي النساء ، فلما دخلنا
المدينة ونكحنا نساء
الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد من نسائنا ، فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه ، وكان نساء
الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن ، فأنزل الله سبحانه :
نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم .
الثانية : هذه الأحاديث نص في إباحة الحال والهيئات كلها إذا كان
الوطء في موضع الحرث ، أي كيف شئتم من خلف ومن قدام وباركة ومستلقية ومضطجعة ، فأما الإتيان في غير المأتى فما كان مباحا ، ولا يباح! وذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتى محرم . و " حرث " تشبيه ؛ لأنهن مزدرع الذرية ، فلفظ " الحرث " يعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع . وأنشد
ثعلب :
إنما الأرحام أرضو ن لنا محترثات فعلينا الزرع فيها
وعلى الله النبات
ففرج المرأة كالأرض ، والنطفة كالبذر ، والولد كالنبات ، فالحرث بمعنى المحترث . ووحد الحرث لأنه مصدر ، كما يقال : رجل صوم ، وقوم صوم .
الثالثة : قوله تعالى :
أنى شئتم معناه عند الجمهور من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى : من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة ، كما ذكرنا آنفا . و " أنى " تجيء سؤالا وإخبارا عن أمر له جهات ، فهو أعم في اللغة من " كيف " ومن " أين " ومن " متى " ، هذا هو الاستعمال العربي في " أنى " . وقد فسر الناس " أنى " في هذه الآية بهذه الألفاظ . وفسرها
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ب " كيف " ومن " أين " باجتماعهما . وذهبت فرقة ممن فسرها ب " أين " إلى أن
الوطء في الدبر مباح ، وممن نسب إليه هذا القول :
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ونافع nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب القرظي nindex.php?page=showalam&ids=12873وعبد الملك بن الماجشون ، وحكي ذلك عن
مالك في كتاب له يسمى " كتاب السر " . وحذاق أصحاب
مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك أجل من أن يكون له " كتاب سر " . ووقع هذا القول في العتبية . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي أن
ابن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين ، وإلى
مالك من روايات كثيرة في كتاب " جماع النسوان وأحكام
[ ص: 89 ] القرآن " . وقال
الكيا الطبري : وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي أنه كان لا يرى بذلك بأسا ، ويتأول فيه قول الله عز وجل :
أتأتون الذكران من العالمين . وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم . وقال : فتقديره تتركون مثل ذلك من أزواجكم ، ولو لم يبح مثل ذلك من الأزواج لما صح ذلك ، وليس المباح من الموضع الآخر مثلا له ، حتى يقال : تفعلون ذلك وتتركون مثله من المباح . قال
الكيا : وهذا فيه نظر ، إذ معناه : وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم مما فيه تسكين شهوتكم ، ولذة الوقاع حاصلة بهما جميعا ، فيجوز التوبيخ على هذا المعنى . وفي قوله تعالى :
فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله مع قوله :
فأتوا حرثكم ما يدل على أن في المأتى اختصاصا ، وأنه مقصور على موضع الولد .
قلت : هذا هو الحق في المسألة . وقد ذكر
أبو عمر بن عبد البر أن العلماء لم يختلفوا في
الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها أنه عيب ترد به ، إلا شيئا جاء عن
عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي أنه لا ترد الرتقاء ولا غيرها ، والفقهاء كلهم على خلاف ذلك ؛ لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح ، وفي إجماعهم على هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ، ولو كان موضعا للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج . وفي إجماعهم أيضا على أن
العقيم التي لا تلد لا ترد . والصحيح في هذه المسألة ما بيناه . وما نسب إلى
مالك وأصحابه من هذا باطل وهم مبرءون من ذلك ؛ لأن إباحة الإتيان مختصة بموضع الحرث ، لقوله تعالى :
فأتوا حرثكم ، ولأن الحكمة في خلق الأزواج بث النسل ، فغير موضع النسل لا يناله ملك النكاح ، وهذا هو الحق . وقد قال أصحاب
أبي حنيفة : إنه عندنا ولائط الذكر سواء في الحكم ، ولأن القذر والأذى في موضع النجو أكثر من دم الحيض ، فكان أشنع . وأما صمام البول فغير صمام الرحم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي في قبسه : قال لنا الشيخ الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=14561فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين فقيه الوقت وإمامه : الفرج أشبه شيء بخمسة وثلاثين ، وأخرج يده عاقدا بها . وقال : مسلك البول ما تحت الثلاثين ، ومسلك الذكر والفرج ما اشتملت عليه الخمسة ، وقد حرم الله تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة . فأولى أن يحرم الدبر لأجل النجاسة اللازمة . وقال
مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناسا
بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك ، فنفر من ذلك ، وبادر إلى تكذيب الناقل فقال : كذبوا علي ، كذبوا علي ، كذبوا علي! ثم قال : ألستم قوما عربا ؟ ألم يقل الله تعالى :
نساؤكم حرث لكم وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت! وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل :
أنى شئتم [ ص: 90 ] شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجة فيها ، إذ هي مخصصة بما ذكرناه ، وبأحاديث صحيحة حسان وشهيرة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابيا بمتون مختلفة ، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار ، ذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل في مسنده ،
وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وغيرهم . وقد جمعها
nindex.php?page=showalam&ids=11890أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه " تحريم المحل المكروه " . ولشيخنا
أبي العباس أيضا في ذلك جزء سماه ( إظهار إدبار ، من أجاز الوطء في الأدبار ) . قلت : وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة ، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه . وقد حذرنا من زلة العالم . وقد روي عن
ابن عمر خلاف هذا ، وتكفير من فعله ، وهذا هو اللائق به رضي الله عنه . وكذلك كذب
نافع من أخبر عنه بذلك ، كما ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، وقد تقدم . وأنكر ذلك
مالك واستعظمه ، وكذب من نسب ذلك إليه . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14272الدارمي أبو محمد في مسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=11839سعيد بن يسار أبي الحباب قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر : ما تقول في الجواري حين أحمض بهن ؟ قال : وما التحميض ؟ فذكرت له الدبر ، فقال : هل يفعل ذلك أحد من المسلمين! وأسند عن
خزيمة بن ثابت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831563أيها الناس إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن . ومثله عن
علي بن طلق . وأسند عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831564من أتى امرأة في دبرها لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي في مسنده عن
قتادة عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن
عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837679تلك اللوطية الصغرى يعني إتيان المرأة في دبرها . وروي عن
طاوس أنه قال :
كان بدء عمل قوم لوط إتيان النساء في أدبارهن . قال
ابن المنذر : وإذا ثبت الشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغني به عما سواه .
الرابعة : قوله تعالى :
وقدموا لأنفسكم أي قدموا ما ينفعكم غدا ، فحذف المفعول ، وقد صرح به في قوله تعالى :
وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله . فالمعنى قدموا لأنفسكم الطاعة والعمل الصالح . وقيل ابتغاء الولد والنسل ؛ لأن الولد خير
[ ص: 91 ] الدنيا والآخرة ، فقد يكون شفيعا وجنة . وقيل : هو
التزوج بالعفائف ، ليكون الولد صالحا طاهرا . وقيل : هو تقدم الأفراط ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831565من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إلا تحلة القسم الحديث . وسيأتي في " مريم " إن شاء الله تعالى . وقال
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء : أي قدموا
ذكر الله عند الجماع ، كما قال عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831566لو أن أحدكم إذا أتى امرأته قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره شيطان أبدا . أخرجه
مسلم .
الخامسة : قوله تعالى :
واتقوا الله تحذير .
واعلموا أنكم ملاقوه خبر يقتضي المبالغة في التحذير ، أي فهو مجازيكم على البر والإثم . وروى
ابن عيينة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار قال : سمعت
سعيد بن جبير عن
ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500059إنكم ملاقو الله حفاة عراة مشاة غرلا - ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه . أخرجه
مسلم بمعناه .
السادسة : قوله تعالى :
وبشر المؤمنين تأنيس لفاعل البر ومبتغي سنن الهدى .