قوله تعالى : يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب [ ص: 300 ] قوله تعالى : يؤتي الحكمة من يشاء أي يعطيها لمن يشاء من عباده . واختلف العلماء في الحكمة هنا ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : هي النبوة .
ابن عباس : هي المعرفة بالقرآن فقهه ونسخه ومحكمه ومتشابهه وغريبه ومقدمه ومؤخره . وقال
قتادة ومجاهد : الحكمة هي الفقه في القرآن . وقال
مجاهد : الإصابة في القول والفعل . وقال
ابن زيد : الحكمة العقل في الدين . وقال
مالك بن أنس : الحكمة المعرفة بدين الله والفقه فيه والاتباع له . وروى عنه
ابن القاسم أنه قال : الحكمة التفكر في أمر الله والاتباع له . وقال أيضا : الحكمة طاعة الله والفقه في الدين والعمل به . وقال
الربيع بن أنس : الحكمة الخشية . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي : الحكمة الفهم في القرآن ، وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم . وقال
الحسن : الحكمة الورع .
قلت : وهذه الأقوال كلها ما عدا قول
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي والربيع والحسن قريب بعضها من بعض ؛ لأن الحكمة مصدر من الإحكام وهو الإتقان في قول أو فعل ، فكل ما ذكر فهو نوع من الحكمة التي هي الجنس ، فكتاب الله حكمة ، وسنة نبيه حكمة ، وكل ما ذكر من التفضيل فهو حكمة . وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه ، فقيل للعلم حكمة ؛ لأنه يمتنع به ، وبه يعلم الامتناع من السفه وهو كل فعل قبيح ، وكذا القرآن والعقل والفهم . وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830772من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وقال هنا :
ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وكرر ذكر الحكمة ولم يضمرها اعتناء بها ، وتنبيها على شرفها وفضلها حسب ما تقدم بيانه عند قوله تعالى :
فبدل الذين ظلموا قولا . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14272الدارمي أبو محمد في مسنده : حدثنا
مروان بن محمد حدثنا
رفدة الغساني قال : أخبرنا
ثابت بن عجلان الأنصاري قال : كان يقال : إن الله ليريد العذاب بأهل الأرض فإذا سمع تعليم المعلم الصبيان الحكمة صرف ذلك عنهم . قال
مروان : يعني بالحكمة القرآن .
قوله تعالى : ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب يقال : إن من أعطي الحكمة والقرآن فقد أعطي أفضل ما أعطي من جمع علم كتب الأولين من
[ ص: 301 ] الصحف وغيرها ؛ لأنه قال لأولئك :
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا . وسمى هذا خيرا كثيرا ؛ لأن هذا هو جوامع الكلم . وقال بعض الحكماء : من أعطي العلم والقرآن ينبغي أن يعرف نفسه ، ولا يتواضع لأهل الدنيا لأجل دنياهم ، فإنما أعطي أفضل ما أعطي أصحاب الدنيا ؛ لأن الله تعالى سمى الدنيا متاعا قليلا فقال :
قل متاع الدنيا قليل وسمى العلم والقرآن خيرا كثيرا . وقرأ الجمهور ( ومن يؤت ) على بناء الفعل للمفعول . وقرأ
الزهري ويعقوب " ومن يؤت " بكسر التاء على معنى ومن يؤت الله الحكمة ، فالفاعل اسم الله عز وجل . ومن مفعول أول مقدم ، والحكمة مفعول ثان . والألباب : العقول ، واحدها لب وقد تقدم .