قوله تعالى : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون
فيه تسع مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
وإن كان ذو عسرة لما حكم جل وعز لأرباب الربا برءوس أموالهم عند الواجدين للمال ، حكم في ذي العسرة بالنظرة إلى حال الميسرة ، وذلك أن
ثقيفا لما طلبوا أموالهم التي لهم على
بني المغيرة شكوا العسرة - يعني
بني المغيرة - وقالوا : ليس لنا شيء ، وطلبوا الأجل إلى وقت ثمارهم ، فنزلت هذه الآية
وإن كان ذو عسرة .
الثانية : قوله تعالى :
وإن كان ذو عسرة مع قوله
وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم يدل على
ثبوت المطالبة لصاحب الدين على المدين وجواز أخذ ماله بغير رضاه . ويدل على أن
الغريم متى امتنع من أداء الدين مع الإمكان كان ظالما ، فإن الله تعالى يقول :
فلكم رءوس أموالكم فجعل له المطالبة برأس ماله . فإذا كان له حق المطالبة فعلى من عليه الدين لا محالة وجوب قضائه .
الثالثة : قال
المهدوي وقال بعض العلماء : هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية من بيع من أعسر . وحكى
مكي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في صدر الإسلام . قال
ابن عطية : فإن ثبت فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو نسخ وإلا فليس بنسخ . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : كان الحر يباع في الدين أول الإسلام إذا لم يكن له مال يقضيه عن نفسه حتى نسخ الله ذلك فقال جل وعز :
وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة . واحتجوا بحديث رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من حديث
مسلم بن خالد [ ص: 338 ] الزنجي أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم عن
ابن البيلماني عن
سرق قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837957كان لرجل علي مال - أو قال دين - فذهب بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصب لي مالا فباعني منه ، أو باعني له . أخرجه
البزار بهذا الإسناد أطول منه .
nindex.php?page=showalam&ids=14429ومسلم بن خالد الزنجي وعبد الرحمن بن البيلماني لا يحتج بهما . وقال جماعة من أهل العلم : قوله تعالى :
فنظرة إلى ميسرة عامة في جميع الناس ، فكل من أعسر أنظر ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة والحسن وعامة الفقهاء . قال
النحاس : وأحسن ما قيل في هذه الآية قول
عطاء والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=14355والربيع بن خيثم . قال : هي لكل معسر ينظر في الربا والدين كله . فهذا قول يجمع الأقوال ؛ لأنه يجوز أن تكون ناسخة عامة نزلت في الربا ثم صار حكم غيره كحكمه . ولأن القراءة بالرفع بمعنى وإن وقع ذو عسرة من الناس أجمعين . ولو كان في الربا خاصة لكان النصب الوجه ، بمعنى وإن كان الذي عليه الربا ذا عسرة . وقال
ابن عباس وشريح : ذلك في الربا خاصة ، فأما
الديون وسائر المعاملات فليس فيها نظرة بل يؤدي إلى أهلها أو يحبس فيه حتى يوفيه ، وهو قول
إبراهيم . واحتجوا بقول الله تعالى :
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها الآية . قال
ابن عطية : فكان هذا القول يترتب إذا لم يكن فقر مدقع ، وأما مع العدم والفقر الصريح فالحكم هو النظرة ضرورة .
الرابعة :
من كثرت ديونه وطلب غرماؤه مالهم فللحاكم أن يخلعه عن كل ماله ويترك له ما كان من ضرورته . روى
ابن نافع عن
مالك أنه لا يترك له إلا ما يواريه . والمشهور أنه يترك له كسوته المعتادة ما لم يكن فيها فضل ، ولا ينزع منه رداؤه إن كان ذلك مزريا به . وفي ترك كسوة زوجته وفي بيع كتبه إن كان عالما خلاف . ولا يترك له مسكن ولا خادم ولا ثوب جمعة ما لم تقل قيمتها ، وعند هذا يحرم حبسه . والأصل في هذا قوله تعالى :
وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة . روى الأئمة واللفظ
لمسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830901أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تصدقوا عليه ) فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه : ( خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك ) . وفي مصنف
أبي داود : فلم يزد رسول الله صلى الله عليه وسلم غرماءه على أن خلع لهم ماله . وهذا نص ، فلم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحبس الرجل ، وهو
معاذ بن جبل كما قال
شريح ، ولا بملازمته ، خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة فإنه قال : يلازم لإمكان أن يظهر له مال ، ولا يكلف أن يكتسب لما ذكرنا . وبالله توفيقنا .