قوله تعالى :
زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب
فيه إحدى عشرة مسألة :
الأولى :
قوله تعالى : زين للناس زين من التزيين واختلف الناس من المزين ; فقالت فرقة : الله زين ذلك ; وهو ظاهر قول
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وفي التنزيل :
إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ; ولما قال
عمر : الآن يا رب حين زينتها لنا نزلت :
قل أؤنبئكم بخير من ذلكم وقالت فرقة : المزين هو الشيطان ; وهو ظاهر قول
الحسن ، فإنه قال : من زينها ؟ ما أحد أشد لها ذما من خالقها . فتزيين الله تعالى إنما هو بالإيجاد والتهيئة للانتفاع وإنشاء الجبلة على الميل إلى هذه الأشياء . وتزيين الشيطان إنما هو بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غير وجوهها . والآية على كلا الوجهين ابتداء وعظ لجميع الناس ، وفي ضمن ذلك توبيخ لمعاصري
محمد - صلى الله عليه وسلم - من
اليهود وغيرهم . وقرأ الجمهور زين على بناء الفعل للمفعول ، ورفع حب . وقرأ
الضحاك ومجاهد " زين " على بناء الفعل للفاعل ، ونصب " حب " وحركت الهاء من الشهوات فرقا بين الاسم والنعت والشهوات جمع شهوة وهي معروفة ورجل شهوان للشيء ، وشيء شهي أي مشتهى واتباع الشهوات مرد وطاعتها مهلكة . وفي صحيح
مسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831807حفت الجنة بالمكاره وحفت النار [ ص: 27 ] بالشهوات رواه
أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفائدة هذا التمثيل أن الجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره وبالصبر عليها . وأن النار لا ينجى منها إلا بترك الشهوات وفطام النفس عنها . وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831808طريق الجنة حزن بربوة وطريق النار سهل بسهوة . . . ; وهو معنى قوله (
nindex.php?page=hadith&LINKID=831807حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ) . أي طريق الجنة صعبة المسلك فيه أعلى ما يكون من الروابي ، وطريق النار سهل لا غلظ فيه ولا وعورة ، وهو معنى قوله ( سهل بسهوة ) وهو بالسين المهملة .
الثانية : قوله تعالى :
من النساء بدأ بهن لكثرة تشوف النفوس إليهن ; لأنهن حبائل الشيطان وفتنة الرجال . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831809ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم . ففتنة النساء أشد من جميع الأشياء . ويقال :
في النساء فتنتان ، وفي الأولاد فتنة واحدة . فأما اللتان في النساء فإحداهما أن تؤدي إلى قطع الرحم ; لأن المرأة تأمر زوجها بقطعه عن الأمهات والأخوات ، والثانية يبتلى بجمع المال من الحلال والحرام وذلك لينال رضاهن . وأما البنون فإن الفتنة فيهم واحدة وهو ما ابتلي بجمع المال لأجلهم . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتاب . حذرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن في إسكانهن الغرف تطلعا إلى الرجال ، وليس في ذلك تحصين لهن ولا ستر ; لأنهن قد يشرفن على الرجال فتحدث الفتنة والبلاء ، ولأنهن قد خلقن من الرجل ; فهمتها في الرجل والرجل خلق فيه الشهوة وجعلت سكنا له ; فغير مأمون كل واحد منهما على صاحبه . وفي تعلمهن الكتاب هذا المعنى من الفتنة وأشد . وفي
[ ص: 28 ] كتاب
الشهاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500069أعروا النساء يلزمن الحجال . فعلى الإنسان إذا لم يصبر في هذه الأزمان أن يبحث عن ذات الدين ليسلم له الدين ; قال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831022عليك بذات الدين تربت يداك أخرجه
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . وفي سنن
ابن ماجه عن
عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831810لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ، ولكن تزوجوهن على الدين ، ولأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل .
الثالثة : قوله تعالى :
والبنين عطف على ما قبله . وواحد من البنين ابن . قال الله تعالى مخبرا عن
نوح :
إن ابني من أهلي . وتقول في التصغير " بني " كما قال
لقمان . وفي الخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
nindex.php?page=showalam&ids=185للأشعث بن قيس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=838057هل لك من ابنة حمزة من ولد ؟ قال : نعم ، لي منها غلام ولوددت أن لي به جفنة من طعام أطعمها من بقي من بني جبلة . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لئن قلت ذلك إنهم لثمرة القلوب وقرة الأعين وإنهم مع ذلك لمجبنة مبخلة محزنة .
الرابعة : قوله تعالى :
والقناطير القناطير جمع قنطار ، كما قال تعالى :
وآتيتم إحداهن قنطارا وهو العقدة الكبيرة من المال ، وقيل : هو اسم للمعيار الذي يوزن به ; كما
[ ص: 29 ] هو الرطل والربع . ويقال لما بلغ ذلك الوزن : هذا قنطار ، أي يعدل القنطار . والعرب تقول : قنطر الرجل إذا بلغ ماله أن يوزن بالقنطار . وقال
الزجاج : القنطار مأخوذ من عقد الشيء وإحكامه ; تقول العرب : قنطرت الشيء إذا أحكمته ; ومنه سميت القنطرة لإحكامها . قال
طرفة :
كقنطرة الرومي أقسم ربها لتكتنفن حتى تشاد بقرمد
والقنطرة المعقودة ; فكأن القنطار عقد مال . واختلف العلماء في تحرير حده كم هو على أقوال عديدة ; فروى
أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية ; وقال بذلك
معاذ بن جبل nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة وجماعة من العلماء . قال
ابن عطية : " وهو أصح الأقوال ، لكن القنطار على هذا يختلف باختلاف البلاد في قدر الأوقية " . وقيل : اثنا عشر ألف أوقية ; أسنده البستي في مسنده الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831812القنطار اثنا عشر ألف أوقية الأوقية خير مما بين السماء والأرض . وقال بهذا القول
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة أيضا . وفي مسند
أبي محمد الدارمي عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : "
من قرأ في ليلة عشر آيات كتب من الذاكرين ، ومن قرأ بمائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ بخمسمائة آية إلى الألف أصبح وله قنطار من الأجر " قيل : وما القنطار ؟ قال : " ملء مسك ثور ذهبا " . موقوف ; وقال به
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبو نضرة العبدي . وذكر
ابن سيده أنه هكذا بالسريانية . وقال
النقاش عن
ابن الكلبي أنه هكذا بلغة
الروم . وقال
ابن عباس والضحاك والحسن : ألف ومائتا مثقال من الفضة ; ورفعه
الحسن . وعن
ابن عباس : اثنا عشر ألف درهم من الفضة ، ومن الذهب ألف دينار دية الرجل المسلم ; وروي عن
الحسن والضحاك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : ثمانون ألفا .
قتادة : مائة رطل من الذهب أو ثمانون ألف درهم من الفضة . وقال
أبو حمزة الثمالي : القنطار
بإفريقية والأندلس ثمانية آلاف مثقال من ذهب أو فضة .
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أربعة آلاف مثقال .
مجاهد : سبعون ألف مثقال ; وروي عن
ابن عمر . وحكى
مكي قولا أن القنطار أربعون أوقية من ذهب أو فضة ; وقاله
ابن سيده في المحكم ، وقال : القنطار بلغة بربر ألف مثقال . وقال
الربيع بن أنس :
[ ص: 30 ] القنطار المال الكثير بعضه على بعض ; وهذا هو المعروف عند العرب ، ومنه قوله :
وآتيتم إحداهن قنطارا أي مالا كثيرا . ومنه الحديث : (
إن صفوان بن أمية قنطر في الجاهلية وقنطر أبوه ) أي صار له قنطار من المال . وعن
الحكم هو ما بين السماء والأرض . واختلفوا في معنى " المقنطرة " فقال
الطبري وغيره : معناه المضعفة ، وكأن القناطير ثلاثة والمقنطرة تسع . وروي عن
الفراء أنه قال : القناطير جمع القنطار ، والمقنطرة جمع الجمع ، فيكون تسع قناطير .
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : المقنطرة المضروبة حتى صارت دنانير أو دراهم .
مكي : المقنطرة المكملة ; وحكاه
الهروي ; كما يقال : بدر مبدرة ، وآلاف مؤلفة . وقال بعضهم . ولهذا سمي البناء القنطرة لتكاثف البناء بعضه على بعض .
ابن كيسان والفراء : لا تكون المقنطرة أقل من تسع قناطير . وقيل : المقنطرة إشارة إلى حضور المال وكونه عتيدا . وفي صحيح
البستي عن
عبد الله بن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830021من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين .
الخامسة : قوله تعالى :
من الذهب والفضة الذهب ، مؤنثة ; يقال : هي الذهب الحسنة جمعها ذهاب وذهوب . ويجوز أن يكون جمع ذهبة ، ويجمع على الأذهاب . وذهب فلان مذهبا حسنا . والذهب : مكيال
لأهل اليمن . ورجل ذهب إذا رأى معدن الذهب فدهش . والفضة معروفة ، وجمعها فضض . فالذهب مأخوذة من الذهاب ، والفضة مأخوذة من انفض الشيء تفرق ; ومنه فضضت القوم فانفضوا ، أي فرقتهم فتفرقوا . وهذا الاشتقاق يشعر بزوالهما وعدم ثبوتهما كما هو مشاهد في الوجود . ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول بعضهم :
النار آخر دينار نطقت به والهم آخر هذا الدرهم الجاري
والمرء بينهما إن كان ذا ورع معذب القلب بين الهم والنار
السادسة : قوله تعالى :
والخيل الخيل مؤنثة . قال
ابن كيسان : حدثت عن
أبي عبيدة أنه قال : واحد الخيل خائل ، مثل طائر وطير ، وضائن وضين ; وسمي الفرس بذلك لأنه يختال في مشيه . وقال غيره : هو اسم جمع لا واحد له من لفظه واحده فرس كالقوم والرهط والنساء والإبل ونحوها . وفي الخبر من حديث
علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
إن الله خلق الفرس من الريح ولذلك جعلها تطير بلا جناح .
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : خلقها من ريح الجنوب . قال
وهب :
[ ص: 31 ] فليس تسبيحة ولا تكبيرة ولا تهليلة يكبرها صاحبها إلا وهو يسمعها فيجيبه بمثلها . وسيأتي لذكر الخيل ووصفها في سورة " الأنفال " ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى . وفي الخبر : ( إن الله عرض على
آدم جميع الدواب ، فقيل له : اختر منها واحدا فاختار الفرس ; فقيل له : اخترت عزك ) ; فصار اسمه الخير من هذا الوجه . وسميت خيلا لأنها موسومة بالعز فمن ركبه اعتز بنحلة الله له ويختال به على أعداء الله تعالى . وسمي فرسا لأنه يفترس مسافات الجو افتراس الأسد وثبانا ، ويقطعها كالالتهام بيديه على شيء خبطا وتناولا ، وسمي عربيا لأنه جيء به من بعد
آدم لإسماعيل جزاء عن رفع قواعد البيت ،
وإسماعيل عربي ، فصار له نحلة من الله تعالى فسمي عربيا . وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
لا يدخل الشيطان دارا فيها فرس عتيق . وإنما سمي عتيقا لأنه قد تخلص من الهجانة . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831815خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم ثم الأقرح المحجل طلق اليمين فإن لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية . أخرجه
الترمذي عن أبي
قتادة . وفي مسند
الدارمي عنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=831816أن رجلا قال : يا رسول الله ، إني أريد أن أشتري فرسا فأيها أشتري ؟ قال : اشتر أدهم أرثم محجلا طلق اليمين أو من الكميت على هذه الشية تغنم وتسلم . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
أنس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831817لم يكن أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد النساء من الخيل .
وروى الأئمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831818الخيل ثلاثة : لرجل أجر ، ولرجل ستر ، ولرجل وزر . . . الحديث بطوله ، شهرته أغنت عن ذكره . وسيأتي ذكر أحكام الخيل في " الأنفال " و " النحل " بما فيه كفاية إن شاء الله تعالى .
السابعة : قوله تعالى :
المسومة يعني الراعية في المروج والمسارح ; قاله
سعيد بن جبير . يقال : سامت الدابة والشاة إذا سرحت تسوم سوما فهي سائمة . وأسمتها أنا إذا تركتها
[ ص: 32 ] لذلك فهي مسامة . وسومتها تسويما فهي مسومة . وفي سنن
ابن ماجه عن علي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831819نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن السوم قبل طلوع الشمس ، وعن ذبح ذوات الدر السوم هنا في معنى الرعي ، وقال الله عز وجل :
فيه تسيمون قال
الأخطل :
مثل ابن بزعة أو كآخر مثله أولى لك ابن مسيمة الأجمال
أراد ابن راعية الإبل . والسوام : كل بهيمة ترعى ، وقيل : المعدة للجهاد ; قاله
ابن زيد .
مجاهد : المسومة المطهمة الحسان . وقال
عكرمة : سومها
الحسن ; واختاره
النحاس ، من قولهم : رجل وسيم . وروي عن
ابن عباس أنه قال : المسومة المعلمة بشيات الخيل في وجوهها من السيما وهي العلامة . وهذا مذهب
الكسائي وأبي عبيدة .
قلت : كل ما ذكر يحتمله اللفظ ، فتكون راعية معدة حسانا معلمة لتعرف من غيرها . قال
أبو زيد : أصل ذلك أن تجعل عليها صوفة أو علامة تخالف سائر جسدها لتبين من غيرها في المرعى . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس اللغوي في مجمله : المسومة المرسلة وعليها ركبانها . وقال المؤرج : المسومة المكوية ،
المبرد : المعروفة في البلدان .
ابن كيسان : البلق . وكلها متقارب من السيما . قال
النابغة :
وضمر كالقداح مسومات عليها معشر أشباه جن
الثامنة : قوله تعالى :
والأنعام قال
ابن كيسان : إذا قلت نعم لم تكن إلا للإبل ، فإذا قلت : أنعام وقعت للإبل وكل ما يرعى . قال
الفراء : هو مذكر ولا يؤنث ; يقولون هذا نعم وارد ، ويجمع أنعاما . قال
الهروي : والنعم يذكر ويؤنث ، والأنعام المواشي من الإبل والبقر والغنم ; ، وإذا قيل : النعم فهو الإبل خاصة . وقال
حسان :
وكانت لا يزال بها أنيس خلال مروجها نعم وشاء
[ ص: 33 ] وفي سنن
ابن ماجه عن
عروة البارقي يرفعه قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=831820الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة ) . وفيه عن
ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831821الشاة من دواب الجنة . وفيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأغنياء باتخاذ الغنم ، والفقراء باتخاذ الدجاج . وقال : عند اتخاذ الأغنياء الدجاج يأذن الله تعالى بهلاك القرى . وفيه عن
أم هانئ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831822اتخذي غنما فإن فيها بركة . أخرجه عن
أبي بكر بن أبي شيبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه عن
أم هانئ ، إسناد صحيح .
التاسعة : قوله تعالى :
والحرث الحرث هنا اسم لكل ما يحرث ، وهو مصدر سمي به ; تقول : حرث الرجل حرثا إذا أثار الأرض لمعنى الفلاحة ; فيقع اسم الحراثة على زرع الحبوب وعلى الجنات وعلى غير ذلك من نوع الفلاحة . وفي الحديث :
احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا . يقال حرثت واحترثت . وفي حديث
عبد الله (
nindex.php?page=hadith&LINKID=831823احرثوا هذا القرآن ) أي فتشوه . قال
ابن الأعرابي : الحرث التفتيش ; وفي الحديث : (
أصدق الأسماء الحارث ) لأن الحارث هو الكاسب ، واحتراث المال كسبه ، والمحراث مسعر النار والحراث مجرى الوتر في القوس ، والجمع أحرثة ، وأحرث الرجل ناقته أهزلها . وفي حديث
معاوية : ما فعلت نواضحكم ؟ قالوا : حرثناها يوم
بدر . قال
أبو عبيد : يعنون هزلناها ; يقال : حرثت الدابة وأحرثتها ، لغتان . وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة الباهلي قال وقد رأى سكة وشيئا من
[ ص: 34 ] آلة الحرث فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831825لا يدخل هذا بيت قوم إلا دخله الذل . قيل : إن الذل هنا ما يلزم أهل الشغل بالحرث من حقوق الأرض التي يطالبهم بها الأئمة والسلاطين . وقال
المهلب : معنى قوله في هذا الحديث - والله أعلم - الحض على معالي الأحوال وطلب الرزق من أشرف الصناعات ; وذلك لما خشي النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته من الاشتغال بالحرث وتضييع ركوب الخيل والجهاد في سبيل الله ; لأنهم إن اشتغلوا بالحرث غلبتهم الأمم الراكبة للخيل المتعيشة من مكاسبها ; فحضهم على التعيش من الجهاد لا من الخلود إلى عمارة الأرض ولزوم المهنة . ألا ترى أن
عمر قال : تمعددوا واخشوشنوا واقطعوا الركب وثبوا على الخيل وثبا لا تغلبنكم عليها رعاة الإبل . فأمرهم بملازمة الخيل ، ورياضة أبدانهم بالوثوب عليها . وفي الصحيحين عن
أنس بن مالك قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831826ما من مسلم غرس غرسا أو زرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة .
قال العلماء : ذكر الله تعالى أربعة أصناف من المال ، كل نوع من المال يتمول به صنف من الناس ; أما الذهب والفضة فيتمول بها التجار ، وأما الخيل المسومة فيتمول بها الملوك ، وأما الأنعام فيتمول بها أهل البوادي ، وأما الحرث فيتمول بها أهل الرساتيق . فتكون فتنة كل صنف في النوع الذي يتمول ، فأما
النساء والبنون ففتنة للجميع .
العاشرة : قوله تعالى :
ذلك متاع الحياة الدنيا أي ما يتمتع به فيها ثم يذهب ولا يبقى . وهذا منه تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة . روى
ابن ماجه وغيره عن
عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831827إنما الدنيا متاع وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة . وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831828ازهد في الدنيا يحبك الله أي في متاعها من الجاه والمال
[ ص: 35 ] الزائد على الضروري . قال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831829ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال بيت يسكنه وثوب يواري عورته وجلف الخبز والماء أخرجه
الترمذي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=241المقدام بن معديكرب . وسئل
سهل بن عبد الله : بم يسهل على العبد ترك الدنيا وكل الشهوات ؟ قال : بتشاغله بما أمر به .
الحادية عشرة :
والله عنده حسن المآب ابتداء وخبر . والمآب المرجع ; آب يئوب إيابا إذا رجع ; قال يئوب إيابا إذا رجع ; قال
امرؤ القيس :
وقد طوفت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
وقال آخر :
وكل ذي غيبة يئوب وغائب الموت لا يئوب
وأصل مآب مأوب ، قلبت حركة الواو إلى الهمزة وأبدل من الواو ألف ، مثل مقال . ومعنى الآية
تقليل الدنيا وتحقيرها والترغيب في حسن المرجع إلى الله تعالى في الآخرة .