[ ص: 59 ] قوله تعالى :
إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين قوله تعالى : إن الله اصطفى آدم ونوحا اصطفى اختار ، وقد تقدم في البقرة . وتقدم فيها اشتقاق
آدم وكنيته ، والتقدير إن الله اصطفى دينهم وهو دين الإسلام ; فحذف المضاف . وقال
الزجاج : اختارهم للنبوة على عالمي زمانهم .
ونوحا قيل إنه مشتق من ناح ينوح ، وهو اسم أعجمي إلا أنه انصرف لأنه على ثلاثة أحرف ، وهو شيخ المرسلين ، وأول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد
آدم عليه السلام بتحريم البنات والأخوات والعمات والخالات وسائر القرابات ، ومن قال : إن
إدريس كان قبله من المؤرخين فقد وهم على ما يأتي بيانه في " الأعراف " إن شاء الله تعالى .
قوله تعالى : وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين تقدم في البقرة معنى الآل وعلى ما يطلق مستوفى . وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
ابن عباس قال :
آل إبراهيم وآل عمران المؤمنون من
آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد ; يقول الله تعالى :
إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين وقيل : آل
إبراهيم إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وإن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - من
آل إبراهيم . وقيل :
آل إبراهيم نفسه ، وكذا
آل عمران ; ومنه قوله تعالى :
وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون . وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831845لقد أعطي مزمارا من مزامير آل داود ; وقال الشاعر :
ولا تبك ميتا بعد ميت أحبه علي وعباس وآل أبي بكر
وقال آخر :
يلاقي من تذكر آل ليلى كما يلقى السليم من العداد
أراد من تذكر
ليلى نفسها . وقيل :
آل عمران آل إبراهيم ; كما قال :
ذرية بعضها من بعض . وقيل : المراد
عيسى ، لأن أمه ابنة
عمران . وقيل : نفسه كما ذكرنا . قال
مقاتل : هو
[ ص: 60 ] عمران أبو موسى وهارون ، وهو
عمران بن يصهر بن فاهاث بن لاوى بن يعقوب . وقال
الكلبي : هو
عمران أبو مريم ، وهو من ولد
سليمان عليه السلام . وحكى
السهيلي :
عمران بن ماتان ، وامرأته حنة ( بالنون ) . وخص هؤلاء بالذكر من بين الأنبياء لأن الأنبياء والرسل بقضهم وقضيضهم من نسلهم . ولم ينصرف
عمران لأن في آخره ألفا ونونا زائدتين . ومعنى قوله :
على العالمين أي على عالمي زمانهم ، في قول أهل التفسير . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14155الترمذي الحكيم أبو عبد الله محمد بن علي : جميع الخلق كلهم . وقيل
على العالمين : على جميع الخلق كلهم إلى يوم الصور ، وذلك أن هؤلاء رسل وأنبياء فهم صفوة الخلق ; فأما
محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد جازت مرتبته الاصطفاء لأنه حبيب ورحمة . قال الله تعالى :
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين فالرسل خلقوا للرحمة ،
ومحمد - صلى الله عليه وسلم - خلق بنفسه رحمة ، فلذلك صار أمانا للخلق ، لما بعثه الله أمن الخلق العذاب إلى نفخة الصور . وسائر الأنبياء لم يحلوا هذا المحل ; ولذلك قال ، عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831846أنا رحمة مهداة يخبر أنه بنفسه رحمة للخلق من الله . وقوله ( مهداة ) أي هدية من الله للخلق . ويقال : اختار
آدم بخمسة أشياء : أولها أنه خلقه بيده في أحسن صورة بقدرته ، والثاني أنه علمه الأسماء كلها ، والثالث أمر الملائكة بأن يسجدوا له ، والرابع أسكنه الجنة ، والخامس جعله أبا البشر . واختار
نوحا بخمسة أشياء : أولها أنه جعله أبا البشر ; لأن الناس كلهم غرقوا وصار ذريته هم الباقين ، والثاني أنه أطال عمره ; ويقال : طوبى لمن طال عمره وحسن عمله ، والثالث أنه استجاب دعاءه على الكافرين والمؤمنين ، والرابع أنه حمله على السفينة ، والخامس أنه كان أول من نسخ الشرائع ; وكان قبل ذلك لم يحرم تزويج الخالات والعمات . واختار إبراهيم بخمسة أشياء : أولها أنه جعله أبا الأنبياء ; لأنه روي أنه خرج من صلبه ألف نبي من زمانه إلى زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - والثاني أنه اتخذه خليلا ، والثالث أنه
[ ص: 61 ] أنجاه من النار ، والرابع أنه جعله إماما للناس ، والخامس أنه ابتلاه بالكلمات فوفقه حتى أتمهن . ثم قال :
( وآل عمران ) فإن كان
عمران أبا
موسى وهارون فإنما اختارهما على العالمين حيث بعث على قومه المن والسلوى وذلك لم يكن لأحد من الأنبياء في العالم . وإن كان أبا
مريم فإنه اصطفى له
مريم بولادة
عيسى بغير أب ولم يكن ذلك لأحد في العالم ، والله أعلم .