قوله تعالى : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم [ ص: 125 ] فيه مسألتان :
الأولى : روى الأئمة واللفظ
nindex.php?page=showalam&ids=15397للنسائي عن
أنس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831891لما نزلت هذه الآية : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قال أبو طلحة : إن ربنا ليسألنا من أموالنا فأشهدك يا رسول الله أني جعلت أرضي لله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اجعلها في قرابتك في حسان بن ثابت nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب . وفي الموطأ وكانت أحب أمواله إليه بئر حاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب . وذكر الحديث . ففي هذه الآية دليل على استعمال ظاهر الخطاب وعمومه ; فإن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لم يفهموا من فحوى الخطاب حين نزلت الآية غير ذلك . ألا ترى
أبا طلحة حين سمع
لن تنالوا البر حتى تنفقوا الآية ، لم يحتج أن يقف حتى يرد البيان الذي يريد الله أن ينفق منه عباده بآية أخرى أو سنة مبينة لذلك فإنهم يحبون أشياء كثيرة .
وكذلك فعل nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة ، عمد مما يحب إلى فرس يقال له ( سبل ) وقال : اللهم إنك تعلم أنه ليس لي مال أحب إلي من فرسي هذه ; فجاء بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : هذا في سبيل الله . فقال لأسامة بن زيد ( اقبضه ) . فكأن زيدا وجد من ذلك في نفسه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله قد قبلها منك ) . ذكره
أسد بن موسى . وأعتق
ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=17191نافعا مولاه ، وكان أعطاه فيه
عبد الله بن جعفر ألف دينار . قالت
صفية بنت أبي عبيدة : أظنه تأول قول الله عز وجل :
لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون . وروى
شبل عن
أبي نجيح عن
مجاهد قال : كتب
عمر بن الخطاب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي
جلولاء يوم فتح
مدائن كسرى ; فقال
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص : فدعا بها
عمر فأعجبته ، فقال إن الله عز وجل يقول :
لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فأعتقها
عمر - رضي الله عنه - . وروي عن
الثوري أنه بلغه أن
أم ولد الربيع بن خيثم قالت : كان إذا جاءه السائل يقول لي : يا فلانة أعطي السائل سكرا ، فإن
الربيع يحب السكر . قال
سفيان : يتأول قوله جل وعز :
لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون . وروي عن
عمر بن عبد العزيز أنه كان يشتري أعدالا من سكر ويتصدق بها . فقيل له : هلا تصدقت بقيمتها ؟ فقال : لأن السكر أحب إلي فأردت أن أنفق
[ ص: 126 ] مما أحب . وقال
الحسن : إنكم لن تنالوا ما تحبون إلا بترك ما تشتهون ، ولا تدركوا ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون .
الثانية : واختلفوا في تأويل البر فقيل الجنة ; عن
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ومجاهد وعمرو بن ميمون nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي . والتقدير لن تنالوا ثواب البر حتى تنفقوا مما تحبون . والنوال العطاء ، من قولك نولته تنويلا أعطيته . ونالني من فلان معروف ينالني ، أو وصل إلي . فالمعنى لن تصلوا إلى الجنة وتعطوها حتى تنفقوا مما تحبون . وقيل : البر العمل الصالح . وفي الحديث الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831337عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة . وقد مضى في البقرة . قال
عطية العوفي : يعني الطاعة .
عطاء : لن تنالوا شرف الدين والتقوى حتى تتصدقوا وأنتم أصحاء أشحاء تأملون العيش وتخشون الفقر . وعن
الحسن حتى تنفقوا هي الزكاة المفروضة .
مجاهد والكلبي : هي منسوخة ، نسختها آية الزكاة . وقيل : المعنى حتى تنفقوا مما تحبون في سبيل الخير من صدقة أو غيرها من الطاعات ، وهذا جامع . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
صعصعة بن معاوية قال : لقيت
أبا ذر قال : قلت : حدثني قال : نعم . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831892ما من عبد مسلم ينفق من كل ماله زوجين في سبيل الله إلا استقبلته حجبة الجنة كلهم يدعوه إلى ما عنده . قلت : وكيف ذلك ؟ قال : إن كانت إبلا فبعيرين ، وإن كانت بقرا فبقرتين . وقال
أبو بكر الوراق : دلهم بهذه الآية على الفتوة . أي لن تنالوا بري بكم إلا ببركم بإخوانكم والإنفاق عليهم من أموالكم وجاهكم ; فإذا فعلتم ذلك نالكم بري وعطفي . قال
مجاهد : وهو مثل قوله :
ويطعمون الطعام على حبه مسكينا .
وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم أي وإذا علم جازى عليه .