قوله تعالى : ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين [ ص: 206 ] عزاهم وسلاهم بما نالهم يوم أحد من القتل والجراح ، وحثهم على قتال عدوهم ونهاهم عن العجز والفشل فقال
ولا تهنوا أي لا تضعفوا ولا تجبنوا يا أصحاب
محمد عن جهاد أعدائكم لما أصابكم .
ولا تحزنوا على ظهورهم ، ولا على ما أصابكم من الهزيمة والمصيبة .
وأنتم الأعلون أي لكم تكون العاقبة بالنصر والظفر
إن كنتم مؤمنين أي بصدق وعدي . وقيل : " إن " بمعنى " إذ " . قال
ابن عباس :
انهزم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد فبينا هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل من المشركين ، يريد أن يعلو عليهم الجبل ; فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اللهم لا يعلن علينا ، اللهم لا قوة لنا إلا بك ، اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر . فأنزل الله هذه الآيات . وثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم ; فذلك قوله تعالى :
وأنتم الأعلون يعني الغالبين على الأعداء بعد
أحد . فلم يخرجوا بعد ذلك عسكرا إلا ظفروا في كل عسكر كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي كل عسكر كان بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان فيه واحد من الصحابة كان الظفر لهم ، وهذه البلدان كلها إنما افتتحت على عهد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم بعد انقراضهم ما افتتحت بلدة على الوجه كما كانوا يفتتحون في ذلك الوقت . وفي هذه الآية بيان
فضل هذه الأمة ; لأنه خاطبهم بما خاطب به أنبياءه ; لأنه قال
لموسى :
إنك أنت الأعلى وقال لهذه الأمة :
وأنتم الأعلون . وهذه اللفظة مشتقة من اسمه الأعلى فهو سبحانه العلي ، وقال للمؤمنين :
وأنتم الأعلون .