قوله تعالى : ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون قوله تعالى :
ولقد كنتم تمنون الموت أي الشهادة من قبل أن تلقوه . وقرأ
الأعمش " من قبل أن تلاقوه " أي من قبل القتل . وقيل : من قبل أن تلقوا أسباب الموت وذلك أن كثيرا ممن لم يحضروا
بدرا كانوا يتمنون يوما يكون فيه قتال ، فلما كان يوم
أحد انهزموا ، وكان منهم من تجلد حتى قتل ، ومنهم
أنس بن النضر عم
أنس بن مالك ، فإنه قال لما انكشف المسلمون : اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ، وباشر القتال وقال : إيها إنها ريح الجنة ! إني لأجدها ، ومضى حتى استشهد . قال
أنس : فما عرفناه إلا ببنانه ووجدنا فيه بضعا وثمانين جراحة . وفيه وفي أمثاله نزل
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . فالآية عتاب في حق من انهزم ، لا سيما وكان منهم حمل للنبي - صلى الله عليه وسلم - على الخروج من
المدينة ، وسيأتي . وتمني الموت يرجع من المسلمين إلى تمني الشهادة المبنية على الثبات والصبر على الجهاد ، لا إلى قتل
[ ص: 210 ] الكفار لهم ; لأنه معصية وكفر ولا يجوز إرادة المعصية ، وعلى هذا يحمل سؤال المسلمين من الله أن يرزقهم الشهادة ، فيسألون الصبر على الجهاد وإن أدى إلى القتل .
قوله تعالى :
وأنتم تنظرون قال
الأخفش : هو تكرير بمعنى التأكد لقوله :
فقد رأيتموه مثل
ولا طائر يطير بجناحيه . وقيل : معناه وأنتم بصراء ليس في أعينكم علل ; كما تقول : قد رأيت كذا وكذا وليس في عينيك علة ، أي فقد رأيته رؤية حقيقية ; وهذا راجع إلى معنى التوكيد . وقال بعضهم :
وأنتم تنظرون إلى
محمد - صلى الله عليه وسلم - . وفي الآية إضمار ، أي فقد رأيتموه وأنتم تنظرون فلم انهزمتم ؟