(
فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ( 37 )
فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 38 )
فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ( 39 )
فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 40 )
يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام ( 41 )
فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 42 )
هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون ( 43 )
يطوفون بينها وبين حميم آن ( 44 )
فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 45 ) ) .
يقول [ تعالى ] : (
فإذا انشقت السماء ) يوم القيامة ، كما دلت عليه هذه الآية مع ما شاكلها من الآيات الواردة في معناها ، كقوله : (
وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ) [ الحاقة : 16 ] ، وقوله : (
ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا ) [ الفرقان : 25 ] ، وقوله : (
إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت ) [ الانشقاق : 1 ، 2 ] .
وقوله : (
فكانت وردة كالدهان ) أي : تذوب كما يذوب الدردي والفضة في السبك ، وتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها ، فتارة حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء ، وذلك من شدة الأمر وهول يوم القيامة العظيم . وقد قال الإمام
أحمد :
حدثنا
أحمد بن عبد الملك ، حدثنا
عبد الرحمن بن أبي الصهباء ، حدثنا
نافع أبو غالب الباهلي ، حدثنا
أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=824016يبعث الناس يوم القيامة والسماء تطش عليهم " .
قال
الجوهري : الطش : المطر الضعيف .
وقال
الضحاك ، عن
ابن عباس في قوله : (
وردة كالدهان ) ، قال : هو الأديم الأحمر . وقال
أبو كدينة ، عن
قابوس ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : (
فكانت وردة كالدهان ) : كالفرس الورد . وقال
العوفي ، عن
ابن عباس : تغير لونها . وقال
أبو صالح : كالبرذون الورد ، ثم كانت بعد كالدهان .
وحكى
البغوي وغيره : أن الفرس الورد تكون في الربيع صفراء ، وفي الشتاء حمراء ، فإذا اشتد البرد اغبر لونها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : تكون ألوانا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي . تكون كلون البغلة الوردة ، وتكون كالمهل كدردي الزيت . وقال
مجاهد : (
كالدهان ) : كألوان الدهان . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني : كلون دهن الورد في الصفرة . وقال
قتادة : هي اليوم خضراء ، ويومئذ لونها إلى الحمرة يوم ذي ألوان . وقال
أبو الجوزاء :
[ ص: 499 ] في صفاء الدهن . وقال [
أبو صالح ] ابن جريج : تصير السماء كالدهن الذائب ، وذلك حين يصيبها حر جهنم .
وقوله : (
فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) ، وهذه كقوله : (
هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) [ المرسلات : 35 ، 36 ] ، فهذا في حال ، وثم حال يسأل الخلائق فيها عن جميع أعمالهم ، قال الله تعالى : (
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) [ الحجر : 92 ، 93 ] ; ولهذه قال
قتادة : (
فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) ، قال : قد كانت مسألة ، ثم ختم على أفواه القوم ، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون .
قال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : لا يسألهم : هل عملتم كذا وكذا ؟ لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكن يقول : لم عملتم كذا وكذا ؟ فهو قول ثان .
وقال
مجاهد في هذه الآية : لا يسأل الملائكة عن المجرم ، يعرفون بسيماهم .
وهذا قول ثالث . وكأن هذا بعد ما يؤمر بهم إلى النار ، فذلك الوقت لا يسألون عن ذنوبهم ، بل يقادون إليها ويلقون فيها ، كما قال تعالى : (
يعرف المجرمون بسيماهم ) أي : بعلامات تظهر عليهم .
وقال
الحسن وقتادة : يعرفونهم باسوداد الوجوه وزرقة العيون .
قلت : وهذا كما يعرف المؤمنون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء .
وقوله : (
فيؤخذ بالنواصي والأقدام ) أي : تجمع الزبانية ناصيته مع قدميه ، ويلقونه في النار كذلك .
وقال
الأعمش عن
ابن عباس : يؤخذ بناصيته وقدمه ، فيكسر كما يكسر الحطب في التنور .
وقال
الضحاك : يجمع بين ناصيته وقدميه في سلسلة من وراء ظهره .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : يجمع بين ناصية الكافر وقدميه ، فتربط ناصيته بقدمه ، ويفتل ظهره .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11955أبو توبة الربيع بن نافع ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17108معاوية بن سلام ، عن أخيه
زيد بن سلام أنه سمع
أبا سلام - يعني جده - أخبرني
عبد الرحمن ، حدثني رجل من
كندة قال : أتيت
عائشة فدخلت عليها ، وبيني وبينها حجاب ، فقلت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=826237حدثك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يأتي عليه ساعة لا يملك لأحد فيها شفاعة ؟ قالت : نعم ، لقد سألته عن هذا وأنا وهو في شعار واحد ، قال : " نعم حين يوضع الصراط ، ولا أملك لأحد فيها شفاعة ، حتى أعلم أين يسلك بي ؟ ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، حتى أنظر ماذا يفعل بي - أو قال : يوحى - وعند الجسر حين يستحد ويستحر " فقالت : وما يستحد وما يستحر ؟ قال : " يستحد حتى يكون مثل شفرة السيف ، ويستحر حتى يكون [ ص: 500 ] مثل الجمرة ، فأما المؤمن فيجيزه لا يضره ، وأما المنافق فيتعلق حتى إذا بلغ أوسطه خر من قدمه فيهوي بيده إلى قدميه ، فتضربه الزبانية بخطاف في ناصيته وقدمه ، فتقذفه في جهنم ، فيهوي فيها مقدار خمسين عاما " . قلت : ما ثقل الرجل ؟ قالت : ثقل عشر خلفات سمان ، فيومئذ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام .
هذا حديث غريب [ جدا ] ، وفيه ألفاظ منكر رفعها ، وفي الإسناد من لم يسم ، ومثله لا يحتج به ، والله أعلم .
وقوله : (
هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون ) أي : هذه النار التي كنتم تكذبون بوجودها ها هي حاضرة تشاهدونها عيانا ، يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا وتصغيرا وتحقيرا .
وقوله : (
يطوفون بينها وبين حميم آن ) أي : تارة يعذبون في الجحيم ، وتارة يسقون من الحميم ، وهو الشراب الذي هو كالنحاس المذاب ، يقطع الأمعاء والأحشاء ، وهذه كقوله تعالى : (
إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ) [ غافر : 71 ، 72 ] .
وقوله : ( آن ) أي : حار وقد بلغ الغاية في الحرارة ، لا يستطاع من شدة ذلك .
قال
ابن عباس في قوله : (
يطوفون بينها وبين حميم آن ) قد انتهى غليه ، واشتد حره . وكذا قال
مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
والضحاك ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي .
وقال
قتادة : قد أنى طبخه منذ خلق الله السماوات والأرض . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي : يؤخذ العبد فيحرك بناصيته في ذلك الحميم ، حتى يذوب اللحم ويبقى العظم والعينان في الرأس . وهي كالتي يقول الله تعالى : (
في الحميم ثم في النار يسجرون ) . والحميم الآني : يعني الحار . وعن
القرظي رواية أخرى : (
حميم آن ) أي : حاضر . وهو قول
ابن زيد أيضا ، والحاضر لا ينافي ما روي عن
القرظي أولا أنه الحار ، كقوله تعالى : (
تسقى من عين آنية ) [ الغاشية : 5 ] أي حارة شديدة الحر لا تستطاع . وكقوله : (
غير ناظرين إناه ) [ الأحزاب : 53 ] يعني : استواءه ونضجه . فقوله : (
حميم آن ) أي : حميم حار جدا . ولما كان معاقبة العصاة المجرمين وتنعيم المتقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه ، وكان إنذاره لهم عذابه وبأسه مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك ، قال ممتنا بذلك على بريته : (
فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .