[ ص: 19 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين ( 96 ) )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : تأويله : إن أول بيت وضع للناس ، يعبد الله فيه مباركا وهدى للعالمين ، الذي
ببكة . قالوا : وليس هو أول بيت وضع في الأرض ، لأنه قد كانت قبله بيوت كثيرة .
ذكر من قال ذلك :
7422 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17259هناد بن السري قال ، حدثنا
أبو الأحوص ، عن
سماك ، عن
خالد بن عرعرة قال : قام رجل إلى
علي فقال : ألا تخبرني عن البيت؟ أهو أول بيت وضع في الأرض؟ فقال : لا ولكنه أول بيت وضع في البركة مقام إبراهيم ، ومن دخله كان آمنا .
7423 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال ، حدثنا
محمد بن جعفر قال ، حدثنا
شعبة ، عن
سماك قال : سمعت
خالد بن عرعرة قال : سمعت
عليا ، وقيل له : "
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة " ، هو أول بيت كان في الأرض؟ قال : لا! قال : فأين كان قوم نوح؟ وأين كان قوم هود؟ قال : ولكنه أول بيت وضع للناس مباركا وهدى .
[ ص: 20 ]
7424 - حدثني
يعقوب قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أبي رجاء قال ، سأل حفص
الحسن وأنا أسمع عن قوله : "
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا " قال ، هو أول مسجد عبد الله فيه في الأرض .
7425 - حدثنا
عبد الجبار بن يحيى الرملي قال ، حدثنا
ضمرة ، عن
ابن شوذب ، عن
مطر في قوله : "
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة " قال : قد كانت قبله بيوت ، ولكنه أول بيت وضع للعبادة .
7426 - حدثني
محمد بن سنان قال ، حدثنا
أبو بكر الحنفي قال ، حدثنا
عباد ، عن
الحسن قوله : "
إن أول بيت وضع للناس " ، يعبد الله فيه "
للذي ببكة " .
7427 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
الحماني قال ، حدثنا
شريك ، عن
سالم ، عن
سعيد : "
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا " قال ، وضع للعبادة .
وقال آخرون : بل هو أول بيت وضع للناس .
ثم اختلف قائلو ذلك في صفة وضعه أول .
فقال بعضهم : خلق قبل جميع الأرضين ، ثم دحيت الأرضون من تحته .
ذكر من قال ذلك :
7428 - حدثنا
محمد بن عمارة الأسدي قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى قال ، أخبرنا
شيبان ، عن
الأعمش ، عن
بكير بن الأخنس ، عن
مجاهد ، عن
عبد الله بن عمرو قال : خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة ، وكان - إذ كان عرشه على الماء - زبدة بيضاء ، فدحيت الأرض من تحته .
[ ص: 21 ]
7429 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12461محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : حدثنا
عبد الواحد بن زياد قال ، حدثنا
خصيف قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا يقول : إن أول ما خلق الله الكعبة ، ثم دحى الأرض من تحتها .
7430 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله عز وجل : "
إن أول بيت وضع للناس " ، كقوله : (
كنتم خير أمة أخرجت للناس ) [ سورة آل عمران : 110 ]
7431 - حدثني
محمد قال ، حدثنا
أحمد قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين " ، أما"
أول بيت " ، فإنه يوم كانت الأرض ماء ، كان زبدة على الأرض ، فلما خلق الله الأرض ، خلق البيت معها ، فهو أول بيت وضع في الأرض .
7432 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال ، أخبرنا
معمر ، عن
قتادة في قوله : (
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ) قال : أول بيت وضعه الله عز وجل ، فطاف به آدم ومن بعده .
وقال آخرون : موضع
الكعبة ، موضع أول بيت وضعه الله في الأرض .
ذكر من قال ذلك :
7433 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : ذكر لنا أن البيت هبط مع
آدم حين هبط ، قال : أهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي . فطاف حوله
آدم ومن كان بعده من المؤمنين ، حتى إذا كان زمن الطوفان ، زمن أغرق الله قوم
نوح ، رفعه الله وطهره من أن يصيبه عقوبة أهل الأرض ، فصار معمورا في السماء . ثم إن
إبراهيم تتبع منه أثرا بعد ذلك ، فبناه على أساس قديم كان قبله .
[ ص: 22 ]
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ما قال جل ثناؤه فيه : إن أول بيت مبارك وهدى وضع للناس ، للذي
ببكة . ومعنى ذلك : "
إن أول بيت وضع للناس " ، أي : لعبادة الله فيه "
مباركا وهدى " ، يعني بذلك : ومآبا لنسك الناسكين وطواف الطائفين ، تعظيما لله وإجلالا له "
للذي ببكة " لصحة الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ما : -
7434 - حدثنا به
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
ابن أبي عدي ، عن
شعبة ، عن
سليمان ، عن
إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن
أبي ذر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810282قلت : يا رسول الله ، أي مسجد وضع أول؟ قال : " المسجد الحرام . قال : ثم أي؟ قال : المسجد الأقصى . قال : كم بينهما؟ قال : أربعون سنة .
فقد بين هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
المسجد الحرام هو
أول مسجد وضعه الله في الأرض ، على ما قلنا . فأما في موضعه بيتا ، بغير معنى بيت للعبادة والهدى والبركة ، ففيه من الاختلاف ما قد ذكرت بعضه في هذا الموضع ، وبعضه في سورة البقرة وغيرها من سور القرآن ، وبينت الصواب من القول عندنا في ذلك بما أغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
[ ص: 23 ]
وأما قوله : "
للذي ببكة مباركا " فإنه يعني :
للبيت الذي بمزدحم الناس لطوافهم في حجهم وعمرهم .
وأصل"البك" : الزحم ، يقال : منه : "بك فلان فلانا" إذا زحمه وصدمه - "فهو يبكه بكا ، وهم يتباكون فيه" ، يعني به : يتزاحمون ويتصادمون فيه . فكأن"
بكة ""فعلة" من "بك فلان فلانا" زحمه ، سميت البقعة بفعل المزدحمين بها .
فإذا كانت"
بكة " ما وصفنا ، وكان موضع ازدحام الناس حول
البيت ، وكان لا طواف يجوز خارج المسجد كان معلوما بذلك أن يكون ما حول
الكعبة من داخل المسجد ، وأن ما كان خارج المسجد
فمكة ، لا"
بكة " . لأنه لا معنى خارجه يوجب على الناس التباك فيه . وإذ كان ذلك كذلك ، كان بينا بذلك فساد قول من قال : "
بكة " اسم لبطن "
مكة " ،
ومكة اسم
للحرم . .
ذكر من قال في ذلك ما قلنا : من أن "
بكة " موضع مزدحم الناس للطواف :
[ ص: 24 ]
7435 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : : حدثنا
هشيم ، عن
حصين ، عن
أبي مالك الغفاري في قوله : "
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة " قال : "بكة " موضع البيت ، "ومكة " ما سوى ذلك .
7436 - حدثني
يعقوب قال : حدثنا
هشيم قال : أخبرنا
مغيرة ، عن
إبراهيم مثله .
7437 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
حكام ، عن
عمرو ، عن
عطاء ، عن
أبي جعفر قال : مرت امرأة بين يدي رجل وهو يصلي وهي تطوف بالبيت ، فدفعها . قال
أبو جعفر : إنها بكة ، يبك بعضها بعضا .
7438 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : حدثنا
عبد الصمد قال : : حدثنا
شعبة قال : حدثنا
سلمة ، عن
مجاهد قال : إنما سميت "بكة " ، لأن الناس يتباكون فيها ، الرجال والنساء .
7439 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
حماد ، عن
سعيد قال : قلت : لأي شيء سميت "بكة "؟ قال : لأنهم يتباكون فيها قال : يعني : يزدحمون .
7440 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
الأسود بن قيس ، عن أبيه ، عن
ابن الزبير قال : إنما سميت "بكة " ، لأنهم يأتونها حجاجا .
7441 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : "
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا " ، فإن الله بك به الناس جميعا ، فيصلي النساء قدام الرجال ، ولا يصلح ببلد غيره .
7442 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة : "بكة " ، بك الناس بعضهم بعضا ، الرجال والنساء ، يصلي بعضهم بين يدي بعض ، لا يصلح ذلك إلا
بمكة .
[ ص: 25 ]
7443 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16796فضيل بن مرزوق ، عن
عطية العوفي قال : "بكة " ، موضع البيت ، و "مكة " : ما حولها .
7444 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : أخبرني
يحيى بن أزهر ، عن
غالب بن عبيد الله : أنه سأل
ابن شهاب عن "بكة " قال : "بكة " البيت ، والمسجد . وسأله عن "
مكة " ، فقال
ابن شهاب : "
مكة " :
الحرم كله .
7445 - حدثنا
الحسين قال : حدثنا
هشيم قال : أخبرنا
حجاج ، عن
عطاء ومجاهد قالا "بكة " : بك فيها الرجال والنساء .
7446 - حدثني
عبد الجبار بن يحيى الرملي . قال : قال
ضمرة بن ربيعة ، "
بكة " : المسجد ، . و "مكة " : البيوت .
وقال بعضهم بما : -
7447 - حدثني به
يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا
يزيد قال : أخبرنا
جويبر ، عن
الضحاك في قوله : "إن
أول بيت وضع للناس للذي ببكة " قال : هي مكة .
وقيل : "مباركا " ، لأن الطواف به مغفرة للذنوب .
فأما نصب قوله : "مباركا " ، فإنه على الخروج من قوله : "وضع " ، لأن في "وضع " ذكرا من "البيت " هو به مشغول ، وهو معرفة ، و "مبارك " نكرة لا يصلح أن يتبعه في الإعراب .
[ ص: 26 ]
وأما على قول من قال : "هو أول بيت وضع للناس " ، على ما ذكرنا في ذلك قول من ذكرنا قوله ، فإنه نصب على الحال من قوله : "
للذي ببكة " . لأن معنى الكلام على قولهم : إن أول بيت وضع للناس البيت [ الذي ]
ببكة مباركا . ف "
البيت " عندهم من صفته "الذي
ببكة " ، و"الذي" بصلته معرفته ، و"المبارك " نكرة ، فنصب على القطع منه ، في قول بعضهم وعلى الحال في قول بعضهم . و"هدى " في موضع نصب على العطف على قوله "مباركا " .