القول في تأويل قوله (
إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( 116 ) )
قال
أبو جعفر : وهذا وعيد من الله عز وجل للأمة الأخرى الفاسقة من أهل الكتاب ، الذين أخبر عنهم بأنهم فاسقون ، وأنهم قد باءوا بغضب منه ، ولمن كان من نظرائهم من أهل الكفر بالله ورسوله وما جاء به
محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله .
يقول تعالى ذكره : "
إن الذين كفروا " ، يعني : الذين جحدوا نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم وكذبوا به وبما جاءهم به من عند الله "
لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا " ، يعني : لن تدفع أمواله التي جمعها في الدنيا ، وأولاده الذين رباهم فيها ، شيئا من عقوبة الله يوم القيامة إن أخرها لهم إلى يوم القيامة ، ولا في الدنيا إن عجلها لهم فيها .
وإنما خص أولاده وأمواله ، لأن أولاد الرجل أقرب أنسبائه إليه ، وهو على ماله أقدر منه على مال غيره ، وأمره فيه أجوز من أمره في مال غيره . فإذا لم يغن عنه ولده لصلبه ، وماله الذي هو نافذ الأمر فيه ، فغير ذلك من أقربائه وسائر أنسبائه وأموالهم ، أبعد من أن تغني عنه من الله شيئا .
ثم أخبر جل ثناؤه أنهم هم أهل النار الذين هم أهلها بقوله : "
وأولئك أصحاب النار " . وإنما جعلهم أصحابها ، لأنهم أهلها الذين لا يخرجون منها ولا يفارقونها ،
[ ص: 134 ] كصاحب الرجل الذي لا يفارقه ، وقرينه الذي لا يزايله . ثم وكد ذلك بإخباره عنهم إنهم "فيها خالدون " ، أن صحبتهم إياها صحبة لا انقطاع لها ، إذ كان من الأشياء ما يفارق صاحبه في بعض الأحوال ، ويزايله في بعض الأوقات ، وليس كذلك صحبة الذين كفروا النار التي أصلوها ، ولكنها صحبة دائمة لا نهاية لها ولا انقطاع . نعوذ بالله منها ومما قرب منها من قول وعمل .