القول في
تأويل قوله ( ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ها أنتم ، أيها المؤمنون ، الذين تحبونهم ، يقول : تحبون هؤلاء الكفار الذين نهيتكم عن اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين ، فتودونهم وتواصلونهم وهم لا يحبونكم ، بل يبطنون لكم العداوة والغش "
وتؤمنون بالكتاب كله " .
ومعنى "الكتاب " في هذا الموضع معنى الجمع ، كما يقال : "كثر الدرهم في أيدي الناس " ، بمعنى الدراهم .
فكذلك قوله : "
وتؤمنون بالكتاب كله " ، إنما معناه : بالكتب كلها ،
[ ص: 149 ] كتابكم الذي أنزل الله إليكم ، وكتابهم الذي أنزله إليهم ، وغير ذلك من الكتب التي أنزلها الله على عباده .
يقول تعالى ذكره : فأنتم إذ كنتم ، أيها المؤمنون ، تؤمنون بالكتب كلها ، وتعلمون أن الذين نهيتكم عن أن تتخذوهم بطانة من دونكم كفار بذلك كله ، بجحودهم ذلك كله من عهود الله إليهم ، وتبديلهم ما فيه من أمر الله ونهيه أولى بعداوتكم إياهم وبغضائهم وغشهم ، منهم بعداوتكم وبغضائكم ، مع جحودهم بعض الكتب وتكذيبهم ببعضها . كما : -
7695 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق قال : حدثني
محمد بن أبي محمد ، عن
عكرمة أو عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : "
وتؤمنون بالكتاب كله " ، أي : بكتابكم وكتابهم وبما مضى من الكتب قبل ذلك ، وهم يكفرون بكتابكم ، فأنتم أحق بالبغضاء لهم ، منهم لكم .
قال
أبو جعفر : وقال : "
ها أنتم أولاء " ولم يقل : "هؤلاء أنتم " ، ففرق بين "ها و "أولاء " بكناية اسم المخاطبين ، لأن العرب كذلك تفعل في "هذا " إذا أرادت به التقريب ومذهب النقصان الذي يحتاج إلى تمام الخبر ، وذلك مثل
[ ص: 150 ] أن يقال لبعضهم : أين أنت " ، فيجيب المقول ذلك له . "ها أنا ذا " فتفرق بين التنبيه و "ذا " بمكني اسم نفسه ، ولا يكادون يقولون : "هذا أنا " ، ثم يثنى ويجمع على ذلك . وربما أعادوا حرف التنبيه مع : "ذا " فقالوا : "ها أنا هذا " . ولا يفعلون ذلك إلا فيما كان تقريبا ، فأما إذا كان على غير التقريب والنقصان قالوا : "هذا هو " "وهذا أنت " . وكذلك يفعلون مع الأسماء الظاهرة ، يقولون : "هذا عمرو قائما " ، إن كان "هذا " تقريبا . وإنما فعلوا ذلك في المكني مع التقريب ، تفرقة بين "هذا " إذا كان بمعنى الناقص الذي يحتاج إلى تمام ، وبينه إذا كان بمعنى الاسم الصحيح .
وقوله : "تحبونهم " خبر للتقريب .
قال
أبو جعفر : وفي هذه الآية إبانة من الله عز وجل عن حال الفريقين - أعني المؤمنين والكافرين ، ورحمة أهل الإيمان ورأفتهم بأهل الخلاف لهم ، وقساوة قلوب أهل الكفر وغلظتهم على أهل الإيمان ، كما : -
[ ص: 151 ]
7696 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : "
ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله " ، فوالله إن المؤمن ليحب المنافق ويأوي له ويرحمه . ولو أن المنافق يقدر على ما يقدر عليه المؤمن منه ، لأباد خضراءه .
7697 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : المؤمن خير للمنافق من المنافق للمؤمن ، يرحمه . ولو يقدر المنافق من المؤمن على مثل ما يقدر المؤمن عليه منه ، لأباد خضراءه .
وكان
مجاهد يقول : نزلت هذه الآية في المنافقين .
7698 - حدثني بذلك
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد .