القول في تأويل قوله ( حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون )
قال
أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "حتى إذا فشلتم " ، حتى إذا جبنتم وضعفتم "وتنازعتم في الأمر " ، يقول : واختلفتم في أمر الله ، يقول : وعصيتم وخالفتم نبيكم ، فتركتم أمره وما عهد إليكم . وإنما يعني بذلك الرماة الذين كان أمرهم صلى الله عليه وسلم بلزوم مركزهم ومقعدهم من فم الشعب بأحد بإزاء
خالد بن الوليد ومن كان معه من فرسان المشركين ، الذين ذكرنا قبل أمرهم .
وأما قوله : "
من بعد ما أراكم ما تحبون " ، فإنه يعني بذلك : من بعد الذي أراكم الله ، أيها المؤمنون
بمحمد ، من النصر والظفر بالمشركين ، وذلك هو الهزيمة التي كانوا هزموهم عن نسائهم وأموالهم قبل ترك الرماة مقاعدهم التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقعدهم فيها ، وقبل خروج خيل المشركين على المؤمنين من ورائهم .
وبنحو الذي قلنا تظاهرت الأخبار عن أهل التأويل .
[ ص: 290 ]
وقد مضى ذكر بعض من قال : وسنذكر قول بعض من لم يذكر قوله فيما مضى .
ذكر من قال ذلك :
8023 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : "
حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر " ، أي اختلفتم في الأمر "
وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " ، وذاكم يوم
أحد ، عهد إليهم نبي الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بأمر فنسوا العهد ، وجاوزوا ، وخالفوا ما أمرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقذف عليهم عدوهم ، بعد ما أراهم من عدوهم ما يحبون .
8024 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ناسا من الناس - يعني : يوم
أحد - فكانوا من ورائهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كونوا هاهنا ، فردوا وجه من فر منا ، وكونوا حرسا لنا من قبل ظهورنا " . وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هزم القوم هو وأصحابه ، قال الذين كانوا جعلوا من ورائهم ، بعضهم لبعض ، لما رأوا النساء مصعدات في الجبل ورأوا الغنائم ،
[ ص: 291 ] قالوا : "انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوا الغنيمة قبل أن تسبقوا إليها "! وقالت طائفة أخرى : "بل نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنثبت مكاننا "! فذلك قوله : "
منكم من يريد الدنيا " ، للذين أرادوا الغنيمة "
ومنكم من يريد الآخرة " ، للذين قالوا : "نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونثبت مكاننا " . فأتوا
محمدا صلى الله عليه وسلم ، فكان فشلا حين تنازعوا بينهم يقول : "وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " ، كانوا قد رأوا الفتح والغنيمة .
8025 - حدثت عن
عمار ، عن
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع : "
حتى إذا فشلتم " ، يقول : جبنتم عن عدوكم "وتنازعتم في الأمر " ، يقول : اختلفتم "
وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " ، وذلك يوم أحد قال لهم : "إنكم ستظهرون ، فلا أعرفن ما أصبتم من غنائمهم شيئا حتى تفرغوا " ، فتركوا أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وعصوا ، ووقعوا في الغنائم ، ونسوا عهده الذي عهده إليهم ، وخالفوا إلى غير ما أمرهم به ، فانقذف عليهم عدوهم ، من بعد ما أراهم فيهم ما يحبون .
8026 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج :
حتى إذا فشلتم ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال
ابن عباس : الفشل : الجبن .
8027 - حدثنا
محمد قال : حدثنا
أحمد قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " ، من الفتح .
[ ص: 292 ]
8028 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق : "حتى إذا فشلتم " ، أي تخاذلتم "وتنازعتم في الأمر " ، أي : اختلفتم في أمري "وعصيتم " ، أي : تركتم أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم; وما عهد إليكم ، يعني الرماة "من بعد ما أراكم ما تحبون " ، أي : الفتح لا شك فيه ، وهزيمة القوم عن نسائهم وأموالهم .
8029 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
المبارك ، عن
الحسن : "من بعد ما أراكم ما تحبون " ، يعني : من الفتح .
قال
أبو جعفر : وقيل معنى قوله : "
حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " حتى إذا تنازعتم في الأمر فشلتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون وأنه من المقدم الذي معناه التأخير ، وإن "الواو " دخلت في ذلك ، ومعناها السقوط ، كما يقال ، (
فلما أسلما وتله للجبين وناديناه ) [ سورة الصافات : 103 - 104 ] معناه : ناديناه . وهذا مقول في : ( حتى إذا ) وفي ( فلما أن ) . [ لم يأت في غير هذين ] . ومنه قول الله عز وجل : (
حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ثم قال
واقترب الوعد الحق ) [ سورة الأنبياء : 96 - 97 ] .
[ ص: 293 ] ومعناه : اقترب ، كما قال الشاعر :
حتى إذا قملت بطونكم ورأيتم أبناءكم شبوا وقلبتم ظهر المجن لنا
إن اللئيم العاجز الخب