القول في
تأويل قوله ( إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم ( 155 ) )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : إن الذين ولوا عن المشركين ، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
أحد وانهزموا عنهم .
وقوله : "تولوا" ، "تفعلوا" ، من قولهم : "ولى فلان ظهره" .
[ ص: 327 ]
وقوله : "
يوم التقى الجمعان " ، يعني : يوم التقى جمع المشركين والمسلمين
بأحد "إنما استزلهم الشيطان" ، أي : إنما دعاهم إلى الزلة الشيطان .
وقوله"استزل""استفعل" من"الزلة" . و"الزلة" ، هي الخطيئة .
"ببعض ما كسبوا" ، يعني ببعض ما عملوا من الذنوب . "ولقد عفا الله عنهم" ، يقول : ولقد تجاوز الله عن عقوبة ذنوبهم فصفح لهم عنه"
إن الله غفور " ، يعني به : مغط على ذنوب من آمن به واتبع رسوله ، بعفوه عن عقوبته إياهم عليها"حليم" ، يعني أنه ذو أناة لا يعجل على من عصاه وخالف أمره بالنقمة .
ثم اختلف أهل التأويل في أعيان القوم الذين عنوا بهذه الآية .
فقال بعضهم : عني بها كل من ولى الدبر عن المشركين
بأحد .
ذكر من قال ذلك :
8098 - حدثنا
أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا
أبو بكر بن عياش قال : حدثنا
عاصم بن كليب ، عن أبيه قال : خطب
عمر يوم الجمعة فقرأ"آل عمران" ، وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها ، فلما انتهى إلى قوله : "إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان" ، قال : لما كان يوم
أحد هزمناهم ، ففررت حتى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى ، والناس يقولون : "قتل
محمد "! فقلت : لا أجد أحدا يقول : "قتل
محمد " ، إلا قتلته! . حتى اجتمعنا على الجبل ، فنزلت :
[ ص: 328 ] إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان " ، الآية كلها .
8099 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : "
إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان " ، الآية ، وذلك يوم
أحد ، ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تولوا عن القتال وعن نبي الله يومئذ ، وكان ذلك من أمر الشيطان وتخويفه ، فأنزل الله عز وجل ما تسمعون : أنه قد تجاوز لهم عن ذلك وعفا عنهم .
8100 - حدثني
المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثني
عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع في قوله : "
إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان " ، الآية ، فذكر نحو قول
قتادة .
وقال آخرون : بل عني بذلك خاص ممن ولى الدبر يومئذ ، قالوا : وإنما عنى به الذين لحقوا
بالمدينة منهم دون غيرهم .
ذكر من قال ذلك :
8101 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : لما انهزموا يومئذ تفرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ ص: 329 ] أصحابه ، فدخل بعضهم المدينة ، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها ، فذكر الله عز وجل الذين انهزموا فدخلوا المدينة فقال : "
إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان " ، الآية .
وقال آخرون : بل نزل ذلك في رجال بأعيانهم معروفين .
ذكر من قال ذلك :
8102 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
عكرمة قوله : "إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان" ، قال : نزلت في
رافع بن المعلى وغيره من
الأنصار ، nindex.php?page=showalam&ids=266وأبي حذيفة بن عتبة ورجل آخر قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : وقوله : "
إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم " ، إذ لم يعاقبهم .
8103 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق قال :
فر nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان ، وعقبة بن عثمان ، وسعد بن عثمان - رجلان من الأنصار - حتى بلغوا الجلعب جبل بناحية المدينة مما يلي الأعوص - فأقاموا به ثلاثا ، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : لقد ذهبتم فيها عريضة !!
8104 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، قوله : "
إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا " الآية ،
[ ص: 330 ] والذين استزلهم الشيطان :
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان ، وسعد بن عثمان ، وعقبة بن عثمان ، الأنصاريان ، ثم الزرقيان .
وأما قوله : "ولقد عفا الله عنهم" ، فإن معناه : ولقد تجاوز الله عن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان ، أن يعاقبهم بتوليهم عن عدوهم . كما : -
8105 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قوله : "
ولقد عفا الله عنهم " ، يقول : "ولقد عفا الله عنهم" ، إذ لم يعاقبهم .
8106 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله في توليهم يوم
أحد : "
ولقد عفا الله عنهم " ، فلا أدري أذلك العفو عن تلك العصابة ، أم عفو عن المسلمين كلهم؟ .
وقد بينا تأويل قوله : "إن الله غفور حليم" ، فيما مضى .