[ ص: 448 ] القول في تأويل قوله (
الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ( 183 ) )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : لقد سمع الله قول الذين قالوا : " إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول " .
وقوله : "
الذين قالوا إن الله ، في موضع خفض ردا على قوله : "
الذين قالوا إن الله فقير " .
ويعني بقوله : "قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول" ، أوصانا ، وتقدم إلينا في كتبه وعلى ألسن أنبيائه"أن لا نؤمن لرسول" ، يقول : أن لا نصدق رسولا فيما يقول إنه جاء به من عند الله من أمر ونهي وغير ذلك"
حتى يأتينا بقربان تأكله النار " ، يقول : حتى يجيئنا بقربان ، وهو ما تقرب به العبد إلى ربه من صدقة .
وهو مصدر مثل"العدوان" و"الخسران" من قولك : "قربت قربانا" .
وإنما قال : "تأكله النار" ، لأن أكل النار ما قربه أحدهم لله في ذلك الزمان ، كان دليلا على قبول الله منه ما قرب له ، ودلالة على صدق المقرب فيما ادعى أنه محق فيما نازع أو قال : كما : -
8310 - حدثنا
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : "
حتى يأتينا بقربان تأكله النار " ،
[ ص: 449 ] كان الرجل يتصدق ، فإذا تقبل منه ، أنزلت عليه نار من السماء فأكلته .
8311 - حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول ، أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : "
بقربان تأكله النار " ، كان الرجل إذا تصدق بصدقة فتقبلت منه ، بعث الله نارا من السماء فنزلت على القربان فأكلته .
فقال الله تعالى لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : [ قل ، يا
محمد ، للقائلين : إن الله عهد إلينا ] أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار : [ قد جاءكم ] رسل من قبلي بالبينات" ، يعني : بالحجج الدالة على صدق نبوتهم وحقيقة قولهم"
وبالذي قلتم " ، يعني : وبالذي ادعيتم أنه إذا جاء به لزمكم تصديقه والإقرار بنبوته ، من أكل النار قربانه إذا قرب لله دلالة على صدقه ، "
فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين " ، يقول له : قل لهم : قد جاءتكم الرسل الذين كانوا من قبلي بالذي زعمتم أنه حجة لهم عليكم ، فقتلتموهم ، فلم قتلتموهم وأنتم مقرون بأن الذي جاءوكم به من ذلك كان حجة لهم عليكم"
إن كنتم صادقين " في أن الله عهد إليكم أن تؤمنوا بمن أتاكم من رسله بقربان تأكله النار حجة له على نبوته؟
قال
أبو جعفر : وإنما أعلم الله عباده بهذه الآية : أن الذين وصف صفتهم من
اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لن يعدوا أن يكونوا
[ ص: 450 ] في كذبهم على الله وافترائهم على ربهم وتكذيبهم
محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهم يعلمونه صادقا محقا ، وجحودهم نبوته وهم يجدونه مكتوبا عندهم في عهد الله تعالى إليهم أنه رسوله إلى خلقه ، مفروضة طاعته إلا كمن مضى من أسلافهم الذين كانوا يقتلون أنبياء الله بعد قطع الله عذرهم بالحجج التي أيدهم الله بها ، والأدلة التي أبان صدقهم بها ، افتراء على الله ، واستخفافا بحقوقه .