القول في تأويل قوله (
لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ( 186 ) )
قال
أبو جعفر : يعني بقوله : تعالى ذكره : "
لتبلون في أموالكم " ، لتختبرن بالمصائب في أموالكم"وأنفسكم ، يعني : وبهلاك الأقرباء والعشائر من
[ ص: 455 ] أهل نصرتكم وملتكم"
ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، يعني : من
اليهود وقولهم : "
إن الله فقير ونحن أغنياء " ، وقولهم : "
يد الله مغلولة " ، وما أشبه ذلك من افترائهم على الله"
ومن الذين أشركوا " ، يعني
النصارى "أذى كثيرا" ، والأذى من
اليهود ما ذكرنا ، ومن
النصارى قولهم : "
المسيح ابن الله " ، وما أشبه ذلك من كفرهم بالله"
وإن تصبروا وتتقوا " ، يقول : وإن تصبروا لأمر الله الذي أمركم به فيهم وفي غيرهم من طاعته" وتتقوا" ، يقول : وتتقوا الله فيما أمركم ونهاكم ، فتعملوا في ذلك بطاعته"
فإن ذلك من عزم الأمور " ، يقول : فإن ذلك الصبر والتقوى مما عزم الله عليه وأمركم به .
وقيل : إن ذلك كله نزل في
فنحاص اليهودي ، سيد
بني قينقاع ، كالذي : -
8316 - حدثنا به
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
عكرمة في قوله : "
لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا " ، قال : نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي
أبي بكر رضوان الله عليه ، وفي
فنحاص اليهودي سيد
بني قينقاع قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق رحمه الله إلى
فنحاص يستمده ، وكتب إليه بكتاب ، وقال
لأبي بكر : "لا تفتاتن علي بشيء حتى ترجع" . فجاء
أبو بكر وهو متوشح بالسيف ، فأعطاه الكتاب ، فلما قرأه قال : "قد احتاج ربكم أن نمده"! فهم
أبو بكر أن يضربه بالسيف ، ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تفتاتن علي بشيء حتى ترجع" ،
[ ص: 456 ] فكف ، ونزلت : (
ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم ) . وما بين الآيتين إلى قوله : "
لتبلون في أموالكم وأنفسكم " ، نزلت هذه الآيات في
بني قينقاع إلى قوله : "
فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك " قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم قال : "لتبلون في أموالكم وأنفسكم" ، قال : أعلم الله المؤمنين أنه سيبتليهم ، فينظر كيف صبرهم على دينهم . ثم قال : "
ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، يعني :
اليهود والنصارى "
ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ) فكان المسلمون يسمعون من
اليهود قولهم : "عزير ابن الله" ، ومن
النصارى : "المسيح ابن الله" ، فكان المسلمون ينصبون لهم الحرب إذ يسمعون إشراكهم ، فقال الله : "
وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور " ، يقول : من القوة مما عزم الله عليه وأمركم به .
وقال آخرون : بل نزلت في
كعب بن الأشرف ، وذلك أنه كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتشبب بنساء المسلمين .
ذكر من قال ذلك :
8317 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
الزهري في قوله : "
ولتسمعن من الذين أوتو الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا " ، قال : هو
كعب بن الأشرف ، وكان يحرض المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شعره ، ويهجو النبي صلى الله عليه وسلم . فانطلق إليه خمسة نفر من الأنصار ، فيهم
محمد بن مسلمة ، ورجل
[ ص: 457 ] يقال له
أبو عبس . فأتوه وهو في مجلس قومه بالعوالي ، فلما رآهم ذعر منهم ، فأنكر شأنهم ، وقالوا : جئناك لحاجة! قال : فليدن إلي بعضكم فليحدثني بحاجته . فجاءه رجل منهم فقال : جئناك لنبيعك أدراعا عندنا لنستنفق بها . فقال : والله لئن فعلتم لقد جهدتم منذ نزل بكم هذا الرجل! فواعدوه أن يأتوه عشاء حين هدأ عنهم الناس ، فأتوه فنادوه ، فقالت امرأته : ما طرقك هؤلاء ساعتهم هذه لشيء مما تحب! قال : إنهم حدثوني بحديثهم وشأنهم .
قال
معمر : فأخبرني
أيوب ، عن
عكرمة : أنه أشرف عليهم فكلمهم ، فقال : أترهنوني أبناءكم؟ وأرادوا أن يبيعهم تمرا . قال : فقالوا : إنا نستحيي أن تعير أبناؤنا فيقال : "هذا رهينة وسق ، وهذا رهينة وسقين"! فقال : أترهنوني نساءكم؟ قالوا : أنت أجمل الناس ، ولا نأمنك! وأي امرأة تمتنع منك لجمالك! ولكنا نرهنك سلاحنا ، فقد علمت حاجتنا إلى السلاح اليوم . فقال : ائتوني بسلاحكم ، واحتملوا ما شئتم . قالوا : فانزل إلينا نأخذ عليك وتأخذ علينا . فذهب ينزل ،
[ ص: 458 ] فتعلقت به امرأته وقالت : أرسل إلى أمثالهم من قومك يكونوا معك . قال : لو وجدني هؤلاء نائما ما أيقظوني! قالت : فكلمهم من فوق البيت ، فأبى عليها ، فنزل إليهم يفوح ريحه . قالوا : ما هذه الريح يا فلان؟ قال : هذا عطر أم فلان! امرأته . فدنا إليه بعضهم يشم رائحته ، ثم اعتنقه ، ثم قال : اقتلوا عدو الله! فطعنه
أبو عبس في خاصرته ، وعلاه
محمد بن مسلمة بالسيف ، فقتلوه ثم رجعوا . فأصبحت
اليهود مذعورين ، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : قتل سيدنا غيلة! فذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه ، وما كان يحض عليهم ، ويحرض في قتالهم ويؤذيهم ، ثم دعاهم إلى أن يكتب بينه وبينهم صلحا ، قال : فكان ذلك الكتاب مع
علي رضوان الله عليه .