القول في
تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : معنى ذلك : "اصبروا على دينكم وصابروا الكفار ورابطوهم" .
ذكر من قال ذلك :
8386 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
سويد بن نصر قال : أخبرنا
ابن المبارك ، [ ص: 502 ] عن
المبارك بن مؤمل ، عن
الحسن : أنه سمعه يقول في قول الله : "
يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا " ، قال : أمرهم أن يصبروا على دينهم ، ولا يدعوه لشدة ولا رخاء ولا سراء ولا ضراء ، وأمرهم أن يصابروا الكفار ، وأن يرابطوا المشركين .
8387 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : "
يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا " ، أي : اصبروا على طاعة الله ، وصابروا أهل الضلالة ، ورابطوا في سبيل الله"
واتقوا الله لعلكم تفلحون " .
8388 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : "
اصبروا وصابروا ورابطوا " ، يقول : صابروا المشركين ، ورابطوا في سبيل الله .
8389 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : اصبروا على الطاعة ، وصابروا أعداء الله ، ورابطوا في سبيل الله .
8390 - حدثني
يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا
يزيد قال : أخبرنا
جويبر ، عن
الضحاك في قوله : "
اصبروا وصابروا ورابطوا " ، قال : اصبروا على ما أمرتم به ، وصابروا العدو ورابطوهم .
وقال آخرون : معنى ذلك : اصبروا على دينكم ، وصابروا وعدي إياكم على طاعتكم لي ، ورابطوا أعداءكم .
ذكر من قال ذلك :
8391 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : أخبرني
أبو صخر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي : أنه كان يقول في هذه الآية : "
اصبروا وصابروا ورابطوا " ، يقول : اصبروا على دينكم ، وصابروا الوعد الذي وعدتكم ، ورابطوا عدوي وعدوكم ، حتى يترك دينه لدينكم .
[ ص: 503 ] وقال آخرون : معنى ذلك : اصبروا على الجهاد ، وصابروا عدوكم ورابطوهم .
ذكر من قال ذلك :
8392 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15637جعفر بن عون قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=17241هشام بن سعد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم في قوله : "
اصبروا وصابروا ورابطوا " ، قال : اصبروا على الجهاد ، وصابروا عدوكم ، ورابطوا على عدوكم .
8393 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
مطرف بن عبد الله المدني قال : حدثنا
مالك بن أنس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم قال : كتب
أبو عبيدة بن الجراح إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم ، فكتب إليه
عمر : "أما بعد ، فإنه مهما نزل بعبد مؤمن من منزلة شدة ، يجعل الله بعدها فرجا ، وإنه لن يغلب عسر يسرين ، وإن الله يقول في كتابه : "
يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " .
[ ص: 504 ]
وقال آخرون : معنى : "ورابطوا" ، أي : رابطوا على الصلوات ، أي : انتظروها واحدة بعد واحدة .
ذكر من قال ذلك :
8394 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
سويد قال : أخبرنا
ابن المبارك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17093مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال : حدثني
داود بن صالح قال : قال لي
أبو سلمة بن عبد الرحمن : يا ابن أخي ، هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية : "
اصبروا وصابروا ورابطوا "؟ قال قلت : لا! قال : إنه يا ابن أخي لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ، ولكنه
انتظار الصلاة خلف الصلاة .
[ ص: 505 ]
8395 - حدثني
أبو السائب قال : حدثنا
ابن فضيل ، عن
عبد الله بن سعيد المقبري ، عن جده ، عن
شرحبيل ، عن
علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810335ألا أدلكم على ما يكفر الله به الذنوب والخطايا؟ إسباغ الوضوء على المكاره ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلك الرباط" .
8396 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12106موسى بن سهل الرملي قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح قال : حدثنا
محمد بن مهاجر قال : حدثني
يحيى بن يزيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15941زيد بن أبي أنيسة ، [ ص: 506 ] عن
شرحبيل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810336ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويكفر به الذنوب؟" قال : قلنا : بلى يا رسول الله! قال : إسباغ الوضوء في أماكنها ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط .
8397 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
خالد بن مخلد قال : حدثنا
محمد بن جعفر ، عن
العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810337ألا أدلكم على ما يحط الله به الخطايا ويرفع به [ ص: 507 ] الدرجات؟" قالوا : بلى يا رسول الله! قال : إسباغ الوضوء عند المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط" .
8398 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
إسماعيل بن جعفر ، عن
العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
[ ص: 508 ]
قال
أبو جعفر : وأولى التأويلات بتأويل الآية ، قول من قال في ذلك : "يا أيها الذين آمنوا" ، يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ، "اصبروا" على دينكم وطاعة ربكم . وذلك أن الله لم يخصص من معاني"الصبر" على الدين والطاعة شيئا ، فيجوز إخراجه من ظاهر التنزيل . فلذلك قلنا إنه عني بقوله : " اصبروا" ، الأمر بالصبر على جميع معاني طاعة الله فيما أمر ونهى ، صعبها وشديدها ، وسهلها وخفيفها .
" وصابروا" ، يعني : وصابروا أعداءكم من المشركين .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن المعروف من كلام العرب في"المفاعلة" أن تكون من فريقين ، أو اثنين فصاعدا ، ولا تكون من واحد إلا قليلا في أحرف معدودة . فإذ كان ذلك كذلك ، فإنما أمر المؤمنين أن يصابروا غيرهم من أعدائهم ، حتى يظفرهم الله بهم ، ويعلي كلمته ، ويخزي أعداءهم ، وأن لا يكون عدوهم أصبر منهم .
وكذلك قوله : " ورابطوا" ، معناه : ورابطوا أعداءكم وأعداء دينكم من أهل الشرك ، في سبيل الله .
قال
أبو جعفر : ورأى أن أصل"الرباط" ، ارتباط الخيل للعدو ، كما
[ ص: 509 ] ارتبط عدوهم لهم خيلهم ، ثم استعمل ذلك في كل مقيم في ثغر يدفع عمن وراءه من أراده من أعدائهم بسوء ، ويحمي عنهم من بينه وبينهم ممن بغاهم بشر ، كان ذا خيل قد ارتبطها ، أو ذا رجلة لا مركب له .
وإنما قلنا معنى : " ورابطوا" ، ورابطوا أعداءكم وأعداء دينكم ، لأن ذلك هو المعنى المعروف من معاني"الرباط" . وإنما يوجه الكلام إلى الأغلب المعروف في استعمال الناس من معانيه ، دون الخفي ، حتى تأتي بخلاف ذلك مما يوجب صرفه إلى الخفي من معانيه حجة يجب التسليم لها من كتاب ، أو خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو إجماع من أهل التأويل .