القول في
تأويل قوله ( وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره أوصياء اليتامى . يقول لهم : وأعطوا يا معشر أوصياء اليتامى : [ اليتامى ] أموالهم إذا هم بلغوا الحلم ، وأونس منهم الرشد
[ ص: 525 ] "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب" ، يقول : ولا تستبدلوا الحرام عليكم من أموالهم بأموالكم الحلال لكم ، كما : -
8436 - حدثنا
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله تعالى : "
ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب" ، قال : الحلال بالحرام .
8437 - حدثني المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد مثله .
8438 - حدثني
سفيان قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : "
ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب " ، قال : الحرام مكان الحلال .
قال
أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في صفة تبديلهم الخبيث كان بالطيب ، الذي نهوا عنه ، ومعناه .
فقال بعضهم : كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيد من ماله والرفيع منه ، ويجعلون مكانه لليتيم الرديء والخسيس ، فذلك تبديلهم الذي نهاهم الله تعالى عنه .
ذكر من قال ذلك :
8439 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن يمان ، عن
سفيان ، عن
مغيرة ، عن
إبراهيم : "
ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب " ، قال : لا تعط زيفا وتأخذ جيدا .
8440 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن يمان ، عن
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وعن
يحيى بن سعيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ومعمر عن
الزهري ، قالوا : يعطي مهزولا ويأخذ سمينا .
8441 - وبه عن
سفيان ، عن رجل ، عن
الضحاك قال : لا تعط فاسدا ، وتأخذ جيدا .
[ ص: 526 ]
8442 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب " ، كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ويجعل مكانها الشاة المهزولة ، ويقول : "شاة بشاة"! ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف ، ويقول : "درهم بدرهم"!!
وقال آخرون : معنى ذلك : لا تستعجل الرزق الحرام فتأكله قبل أن يأتيك الذي قدر لك من الحلال .
ذكر من قال ذلك :
8443 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن يمان ، عن
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب " ، قال : لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال الذي قدر لك .
8444 - وبه عن
سفيان ، عن
إسماعيل ، عن
أبي صالح مثله .
وقال آخرون : معنى ذلك ، كالذي : -
8445 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب " ، قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا يورثون الصغار ، يأخذه الأكبر وقرأ (
وترغبون أن تنكحوهن ) قال : إذا لم يكن لهم شيء : (
والمستضعفين من الولدان ) [ سورة النساء : 127 ] ، لا يورثونهم . قال : فنصيبه من الميراث طيب ، وهذا الذي أخذه خبيث .
قال
أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ، قول من قال : تأويل ذلك : ولا تتبدلوا أموال أيتامكم - أيها الأوصياء - الحرام عليكم الخبيث لكم ،
[ ص: 527 ] فتأخذوا رفائعها وخيارها وجيادها . بالطيب الحلال لكم من أموالكم [ أي لا تأخذوا ] الرديء الخسيس بدلا منه .
وذلك أن"تبدل الشيء بالشيء" في كلام العرب : أخذ شيء مكان آخر غيره ، يعطيه المأخوذ منه أو يجعله مكان الذي أخذ .
فإذ كان ذلك معنى"التبدل" و"الاستبدال" ، فمعلوم أن الذي قاله
ابن زيد من أن معنى ذلك : هو أخذ أكبر ولد الميت جميع مال ميته ووالده ، دون صغارهم ، إلى ماله - قول لا معنى له . لأنه إذا أخذ الأكبر من ولده جميع ماله دون الأصاغر منهم ، فلم يستبدل مما أخذ شيئا . فما"التبدل" الذي قال جل ثناؤه : "
ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب " ، ولم يتبدل الآخذ مكان المأخوذ بدلا؟
وأما الذي قاله
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح من أن معنى ذلك : لا تتعجل الرزق الحرام قبل مجيء الحلال فإنهما أيضا ، إن لم يكونا أرادا بذلك نحو القول الذي روي عن
ابن مسعود أنه قال : "إن الرجل ليحرم الرزق بالمعصية يأتيها" ، ففساده نظير فساد قول
ابن زيد . لأن من
استعجل الحرام فأكله ، ثم آتاه الله رزقه الحلال ، فلم يبدل شيئا مكان شيء . وإن كانا قد أرادا بذلك ، أن الله جل ثناؤه نهى عباده أن يستعجلوا الحرام فيأكلوه قبل مجيء الحلال ، فيكون أكلهم ذلك
[ ص: 528 ] سببا لحرمان الطيب منه فذلك وجه معروف ، ومذهب معقول . يحتمله التأويل . غير أن أشبه [ القولين ] في ذلك بتأويل الآية ، ما قلنا; لأن ذلك هو الأظهر من معانيه ، لأن الله جل ثناؤه إنما ذكر ذلك في قصة
أموال اليتامى وأحكامها ، فلأن يكون ذلك من جنس حكم أول الآية وآخرها ، [ أولى ] من أن يكون من غير جنسه .