القول في تأويل قوله (
واللذان يأتيانها منكم )
قال
أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله :
واللذان يأتيانها منكم ، والرجل والمرأة اللذان يأتيانها ، يقول : يأتيان الفاحشة . و " الهاء " و " الألف " في قوله : " يأتيانها " عائدة على " الفاحشة " التي في قوله :
واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم . والمعنى : واللذان يأتيان منكم الفاحشة فآذوهما .
ثم اختلف أهل التأويل في
المعني بقوله : " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما " .
فقال بعضهم : هما البكران اللذان لم يحصنا ، وهما غير اللاتي عنين بالآية قبلها . وقالوا : قوله :
واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ، معني به الثيبات المحصنات بالأزواج - وقوله :
واللذان يأتيانها منكم ، يعنى به البكران غير المحصنين .
ذكر من قال ذلك :
8812 - حدثنا
محمد بن الحسين قال حدثنا
أحمد بن المفضل قال حدثنا
[ ص: 82 ] أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : ذكر الجواري والفتيان الذين لم ينكحوا فقال :
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما .
8813 - حدثنا
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله :
واللذان يأتيانها منكم البكرين فآذوهما .
وقال آخرون : بل عني بقوله :
واللذان يأتيانها منكم ، الرجلان الزانيان .
ذكر من قال ذلك :
8814 - حدثنا
أبو هشام الرفاعي قال حدثنا
يحيى ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد :
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، قال : الرجلان الفاعلان لا يكني .
8815 - حدثنا
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله :
واللذان يأتيانها منكم ، الزانيان .
وقال آخرون : بل عني بذلك الرجل والمرأة ، إلا أنه لم يقصد به بكر دون ثيب .
ذكر من قال ذلك :
8816 - حدثنا
أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا
يحيى ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عطاء :
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، قال : الرجل والمرأة .
8817 - حدثنا
محمد بن حميد قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح قال : حدثنا
الحسين ، عن
يزيد النحوي ، عن
عكرمة والحسن البصري قالا :
واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى قوله :
أو يجعل الله لهن سبيلا ، فذكر الرجل بعد
[ ص: 83 ] المرأة ، ثم جمعهما جميعا فقال :
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما .
8818 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16456وعبد الله بن كثير ، قوله :
واللذان يأتيانها منكم ، قال : هذه للرجل والمرأة جميعا .
قال
أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله :
واللذان يأتيانها منكم ، قول من قال : " عني به
البكران غير المحصنين إذا زنيا ، وكان أحدهما رجلا والآخر امرأة " لأنه لو كان مقصودا بذلك قصد البيان عن حكم الزناة من الرجال ، كما كان مقصودا بقوله :
واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم قصد البيان عن حكم الزواني ، لقيل : " والذين يأتونها منكم فآذوهم " أو قيل : " والذي يأتيها منكم " كما قيل في التي قبلها :
واللاتي يأتين الفاحشة ، فأخرج ذكرهن على الجميع ، ولم يقل : " واللتان يأتيان الفاحشة " .
وكذلك تفعل العرب إذا أرادت البيان على الوعيد على فعل أو الوعد عليه ، أخرجت أسماء أهله بذكر الجميع أو الواحد وذلك أن الواحد يدل على جنسه ولا تخرجها بذكر اثنين . فتقول : " الذين يفعلون كذا فلهم كذا " " والذي يفعل كذا فله كذا " ولا تقول : " اللذان يفعلان كذا فلهما كذا " إلا أن يكون فعلا لا يكون إلا من شخصين مختلفين ، كالزنا لا يكون إلا من زان وزانية . فإذا كان ذلك كذلك قيل بذكر الاثنين ، يراد بذلك الفاعل والمفعول به . فأما أن يذكر بذكر الاثنين ، والمراد بذلك شخصان في فعل قد ينفرد كل واحد منهما به ، أو في فعل لا يكونان فيه مشتركين ، فذلك ما لا يعرف في كلامها .
وإذا كان ذلك كذلك ، فبين فساد قول من قال : " عني بقوله : " واللذان يأتيانها منكم الرجلان " وصحة قول من قال : عني به الرجل والمرأة .
[ ص: 84 ] وإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أنهما غير اللواتي تقدم بيان حكمهن في قوله :
واللاتي يأتين الفاحشة ، لأن هذين اثنان ، وأولئك جماعة .
وإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الحبس كان للثيبات عقوبة حتى يتوفين من قبل أن يجعل لهن سبيلا لأنه أغلظ في العقوبة من الأذى الذي هو تعنيف وتوبيخ أو سب وتعيير ، كما كان السبيل التي جعلت لهن من الرجم ، أغلظ من السبيل التي جعلت للأبكار من جلد المائة ونفي السنة .