[ ص: 107 ] القول في تأويل أسماء فاتحة الكتاب
قال
أبو جعفر : صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما : -
134 - حدثني به
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا
ابن وهب ، قال : أخبرني
ابن أبي ذئب ، عن
سعيد المقبري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، nindex.php?page=hadith&LINKID=810731عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : هي أم القرآن ، وهي فاتحة الكتاب ، وهي السبع المثاني .
فهذه أسماء فاتحة الكتاب .
وسميت "فاتحة الكتاب " ، لأنها يفتتح بكتابتها المصاحف ، ويقرأ بها في الصلوات ، فهي فواتح لما يتلوها من سور القرآن في الكتابة والقراءة .
وسميت "أم القرآن " لتقدمها على سائر سور القرآن غيرها ، وتأخر ما سواها خلفها في القراءة والكتابة . وذلك من معناها شبيه بمعنى فاتحة الكتاب . وإنما قيل لها - بكونها كذلك - أم القرآن ، لتسمية
العرب كل جامع أمرا - أو مقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه ، هو لها إمام جامع - "أما" . فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ : "أم الرأس " . وتسمي لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها للجيش - "أما " . ومن ذلك قول
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذي الرمة ، يصف راية معقودة على قناة يجتمع تحتها هو وصحبه :
[ ص: 108 ] وأسمر قوام إذا نام صحبتي خفيف الثياب لا تواري له أزرا على رأسه أم لنا نقتدي بها ،
جماع أمور لا نعاصي لها أمرا إذا نزلت قيل انزلوا وإذا غدت
غدت ذات برزيق ننال بها فخرا
يعني بقوله : "على رأسه أم لنا " ، أي على رأس الرمح راية يجتمعون لها في النزول والرحيل وعند لقاء العدو . وقد قيل إن مكة سميت "أم القرى " ، لتقدمها أمام جميعها ، وجمعها ما سواها . وقيل : إنما سميت بذلك ، لأن الأرض دحيت منها فصارت لجميعها أما . ومن ذلك قول
حميد بن ثور الهلالي :
إذا كانت الخمسون أمك ، لم يكن لدائك إلا أن تموت طبيب
لأن الخمسين جامعة ما دونها من العدد ، فسماها أما للذي قد بلغها .
[ ص: 109 ]
وأما تأويل اسمها أنها "السبع " ، فإنها سبع آيات ، لا خلاف بين الجميع من القراء والعلماء في ذلك .
وإنما اختلفوا في الآي التي صارت بها سبع آيات . فقال عظم
أهل الكوفة : صارت سبع آيات ب (
بسم الله الرحمن الرحيم ) وروي ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين . وقال آخرون : هي سبع آيات ، وليس منهن (
بسم الله الرحمن الرحيم ) ولكن السابعة "
أنعمت عليهم " . وذلك قول عظم قرأة
أهل المدينة ومتقنيهم .
قال
أبو جعفر : وقد بينا الصواب من القول عندنا في ذلك في كتابنا : ( اللطيف في أحكام شرائع الإسلام ) بوجيز من القول ، ونستقصي بيان ذلك بحكاية أقوال المختلفين فيه من الصحابة والتابعين والمتقدمين والمتأخرين في كتابنا : ( الأكبر في أحكام شرائع الإسلام ) إن شاء الله ذلك .
وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم آياتها السبع بأنهن مثان ، فلأنها تثنى قراءتها في كل صلاة وتطوع ومكتوبة . وكذلك كان
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري يتأول ذلك .
135 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أبي رجاء ، قال سألت
الحسن عن قوله : (
ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم )
[ ص: 110 ] [ سورة الحجر : 87 ] قال : هي فاتحة الكتاب . ثم سئل عنها وأنا أسمع فقرأها : (
الحمد لله رب العالمين ) حتى أتى على آخرها ، فقال : تثنى في كل قراءة - أو قال - في كل صلاة . الشك من
أبي جعفر الطبري .
والمعنى الذي قلنا في ذلك قصد
أبو النجم العجلي بقوله :
الحمد لله الذي عافاني وكل خير بعده أعطاني
من القرآن ومن المثاني
وكذلك قول الراجز الآخر :
نشدتكم بمنزل الفرقان أم الكتاب السبع من مثاني
ثنين من آي من القرآن والسبع سبع الطول الدواني
وليس في وجوب اسم "السبع المثاني " لفاتحة الكتاب ، ما يدفع صحة وجوب اسم "المثاني " للقرآن كله ، ولما ثنى المئين من السور . لأن لكل وجها ومعنى مفهوما ، لا يفسد - بتسميته بعض ذلك بالمثاني - تسمية غيره بها .
فأما وجه تسمية ما ثنى المئين من سور القرآن بالمثاني ، فقد بينا صحته ، وسندل على صحة وجه تسمية جميع القرآن به عند انتهائنا إليه في سورة الزمر ، إن شاء الله .