القول في تأويل قوله : (
وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وليست التوبة للذين يعملون السيئات من أهل الإصرار على معاصي الله
حتى إذا حضر أحدهم الموت ، يقول : إذا حشرج أحدهم بنفسه ، وعاين ملائكة ربه قد أقبلوا إليه لقبض روحه ، قال وقد غلب على نفسه ، وحيل بينه وبين فهمه ، بشغله بكرب حشرجته وغرغرته
[ ص: 99 ] إني تبت الآن ، يقول : فليس لهذا عند الله تبارك وتعالى توبة ، لأنه قال ما قال في غير حال توبة ، كما :
8860 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
الثوري ، عن
يعلى بن نعمان قال : أخبرني من سمع
ابن عمر يقول : التوبة مبسوطة ما لم يسق ، ثم قرأ
ابن عمر :
وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ، ثم قال : وهل الحضور إلا السوق .
8861 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله :
وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن قال : إذا تبين الموت فيه لم يقبل الله له توبة .
8863 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17011محمد بن فضيل ، عن
أبي النضر ، عن
أبي صالح ، عن
ابن عباس :
وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ، فليس لهذا عند الله توبة .
8863 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
محمد بن جعفر قال : حدثنا
شعبة قال : سمعت
إبراهيم بن ميمون يحدث ، عن رجل من
بني الحارث قال : حدثنا رجل منا ، عن
عبد الله بن عمرو أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501800من تاب قبل موته بعام تيب عليه ، حتى ذكر شهرا ، حتى ذكر ساعة ، حتى ذكر فواقا . قال : فقال رجل : كيف يكون هذا والله تعالى يقول : وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ؟ [ ص: 100 ] فقال عبد الله : أنا أحدثك ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
8864 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
إبراهيم بن مهاجر ، عن
إبراهيم قال : كان يقال : التوبة مبسوطة ما لم يؤخذ بكظمه .
واختلف أهل التأويل فيمن عني بقوله :
وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن
فقال بعضهم : عني به أهل النفاق .
ذكر من قال ذلك :
8865 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع :
إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ، قال : نزلت الأولى في المؤمنين ، ونزلت الوسطى في المنافقين يعني :
وليست التوبة للذين يعملون السيئات ، والأخرى في الكفار يعني :
ولا الذين يموتون وهم كفار .
وقال آخرون : بل عني بذلك أهل الإسلام .
[ ص: 101 ] ذكر من قال ذلك :
8866 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
سويد بن نصر قال : أخبرنا
ابن المبارك ، عن
سفيان ، قال : بلغنا في هذه الآية :
وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن قال : هم المسلمون ، ألا ترى أنه قال :
ولا الذين يموتون وهم كفار ؟
وقال آخرون : بل هذه الآية كانت نزلت في أهل الإيمان ، غير أنها نسخت .
ذكر من قال ذلك :
8867 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله :
وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار فأنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك : (
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ سورة النساء : 48 ، 116 ] ، فحرم الله تعالى المغفرة على من مات وهو كافر ، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته ، فلم يؤيسهم من المغفرة .
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، ما ذكره
الثوري أنه بلغه أنه في الإسلام . وذلك أن المنافقين كفار ، فلو كان معنيا به أهل النفاق لم يكن لقوله :
ولا الذين يموتون وهم كفار معنى مفهوم ، إذ كانوا والذين قبلهم في معنى واحد : من أن جميعهم كفار . ولا وجه لتفريق أحكامهم ، والمعنى
[ ص: 102 ] الذي من أجله بطل أن تكون لهم توبة - واحد . وفي تفرقة الله - جل ثناؤه - بين أسمائهم وصفاتهم ، بأن سمى أحد الصنفين كافرا ، ووصف الصنف الآخر بأنهم أهل سيئات ، ولم يسمهم كفارا - ما دل على افتراق معانيهم . وفي صحة كون ذلك كذلك صحة ما قلنا وفساد ما خالفه .