القول في
تأويل قوله ( فإذا أحصن )
قال
أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأه بعضهم : " فإذا أحصن " بفتح " الألف " بمعنى : إذا أسلمن ، فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالإسلام .
وقرأه آخرون : (
فإذا أحصن ) بمعنى : فإذا تزوجن ، فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالأزواج .
[ ص: 196 ] قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي - أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في أمصار الإسلام ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب في قراءته الصواب .
فإن ظن ظان أن ما قلنا في ذلك غير جائز ، إذ كانتا مختلفتي المعنى ، وإنما تجوز القراءة بالوجهين فيما اتفقت عليه المعاني - فقد أغفل
وذلك أن معنيي ذلك وإن اختلفا ، فغير دافع أحدهما صاحبه . لأن الله قد أوجب على الأمة ذات الإسلام وغير ذات الإسلام على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - - الحد .
9084 - فقال - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501813إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ، كتاب الله ، ولا يثرب عليها . ثم إن عادت فليضربها ، كتاب الله ، ولا يثرب عليها . ثم إن عادت فليضربها ، كتاب الله ، ولا يثرب عليها . ثم إن زنت الرابعة فليضربها ، كتاب الله ، وليبعها ولو بحبل من شعر " .
[ ص: 197 ] 9085 - وقال - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501814أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " .
فلم يخصص بذلك ذات زوج منهن ولا غير ذات زوج . فالحدود واجبة على موالي الإماء إقامتها عليهن ، إذا فجرن ، بكتاب الله وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما حدثكم به :
9086 -
ابن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
مالك بن أنس ، عن
الزهري ، عن
عبيد الله بن عبد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وزيد بن خالد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501815أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الأمة تزني ولم تحصن . قال : اجلدها ، فإن زنت فاجلدها ، فإن زنت فاجلدها ، فإن زنت - فقال في الثالثة أو الرابعة : - فبعها ولو بضفير و " الضفير " : الشعر .
9087 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن عيينة ، عن
الزهري ، عن
عبيد الله بن عبد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وزيد بن خالد : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل . فذكر نحوه .
فقد بين أن الحد الذي وجب إقامته بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإماء - هو ما كان قبل إحصانهن . فأما ما وجب من ذلك عليهن بالكتاب فبعد إحصانهن ؟
قيل له : قد بينا أن أحد معاني " الإحصان " الإسلام ، وأن الآخر منه
[ ص: 198 ] - التزويج ، وأن " الإحصان " كلمة تشتمل على معان شتى . وليس في رواية من روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل " عن الأمة تزني قبل أن تحصن " - بيان أن التي سئل عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - هي التي تزني قبل التزويج ، فيكون ذلك حجة لمحتج : في أن " الإحصان " الذي سن - صلى الله عليه وسلم - حد الإماء في الزنا - هو الإسلام دون التزويج ، ولا أنه هو التزويج دون الإسلام .
وإذ كان لا بيان في ذلك ، فالصواب من القول : أن كل مملوكة زنت فواجب على مولاها إقامة الحد عليها ، متزوجة كانت أو غير متزوجة ، لظاهر كتاب الله ، والثابت من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من أخرجه من وجوب الحد عليه منهن بما يجب التسليم له .
وإذ كان ذلك كذلك ، تبين به صحة ما اخترنا من القراءة في قوله : " فإذا أحصن " .
قال
أبو جعفر : فإن ظن ظان أن في قول الله تعالى ذكره :
ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات - دلالة على أن قوله :
فإذا أحصن ، معناه : تزوجن ، إذ كان ذكر ذلك بعد وصفهن بالإيمان بقوله :
من فتياتكم المؤمنات - وحسب أن ذلك لا يحتمل معنى غير معنى التزويج ، مع ما تقدم ذلك من وصفهن بالإيمان فقد ظن خطأ .
وذلك أنه غير مستحيل في الكلام أن يكون معنى ذلك :
ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ،
[ ص: 199 ] فإذا هن آمن
فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ، فيكون الخبر مبتدأ عما يجب عليهن من الحد إذا أتين بفاحشة بعد إيمانهن ، بعد البيان عما لا يجوز لناكحهن من المؤمنين من نكاحهن ، وعمن يجوز نكاحه له منهن .
فإذ كان ذلك غير مستحيل في الكلام ، فغير جائز لأحد صرف معناه إلى أنه التزويج دون الإسلام ، من أجل ما تقدم من وصف الله إياهن بالإيمان .
غير أن الذي نختار لمن قرأ : (
محصنات غير مسافحات ) بفتح " الصاد " في هذا الموضع ، أن يقرأ : (
فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة ) بضم " الألف " .
ولمن قرأ : " محصنات " بكسر " الصاد " فيه ، أن يقرأ : " فإذا أحصن " بفتح " الألف " لتأتلف قراءة القارئ على معنى واحد وسياق واحد ، لقرب قوله : " محصنات " من قوله : " فإذا أحصن " . ولو خالف من ذلك ، لم يكن لحنا ، غير أن وجه القراءة ما وصفت .
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، نظير اختلاف القرأة في قراءته . فقال بعضهم : معنى قوله :
فإذا أحصن ، فإذا أسلمن .
ذكر من قال ذلك :
9088 - حدثني
محمد بن عبد الله بن بزيع قال : حدثنا
بشر بن المفضل ، عن
سعيد ، عن
أبي معشر ، عن
إبراهيم : أن
ابن مسعود قال : إسلامها إحصانها .
[ ص: 200 ] 9089 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : أخبرني
جرير بن حازم : أن
سليمان بن مهران حدثه ، عن
إبراهيم بن يزيد ، عن
همام بن الحارث : أن
النعمان بن عبد الله بن مقرن ، سأل
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود فقال : أمتي زنت ؟ فقال : اجلدها خمسين جلدة . قال : إنها لم تحصن ! فقال
ابن مسعود : إحصانها إسلامها .
9090 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
سفيان ، عن
حماد ، عن
إبراهيم : أن
النعمان بن مقرن سأل
ابن مسعود عن أمة زنت وليس لها زوج ، فقال : إسلامها إحصانها .
9091 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : حدثنا
محمد بن جعفر قال : حدثنا
شعبة ، عن
حماد ، عن
إبراهيم : أن
النعمان قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود : أمتي زنت ؟ قال : اجلدها . قلت : فإنها لم تحصن ! قال : إحصانها إسلامها .
9092 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
إبراهيم ، عن
علقمة قال : كان
عبد الله يقول : إحصانها إسلامها .
9093 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
هشيم قال : أخبرنا
إسماعيل بن سالم ، عن
الشعبي أنه تلا هذه الآية :
فإذا أحصن قال : يقول : إذا أسلمن .
9094 - حدثنا
أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا
يحيى بن أبي زائدة ، عن
[ ص: 201 ] أشعث ، عن
الشعبي قال : قال
عبد الله : الأمة إحصانها إسلامها .
9095 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
هشيم قال
مغيرة : أخبرنا عن
إبراهيم أنه كان يقول :
فإذا أحصن ، يقول : إذا أسلمن .
9096 - حدثنا
أبو هشام قال : حدثنا
يحيى بن أبي زائدة ، عن
أشعث ، عن
الشعبي قال : الإحصان الإسلام .
9097 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15522برد بن سنان ، عن
الزهري قال : جلد
عمر رضي الله عنه ولائد أبكارا من ولائد الإمارة في الزنا .
9098 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن مفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي :
فإذا أحصن ، يقول : إذا أسلمن .
9099 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
إسرائيل ، عن
جابر ، عن
سالم والقاسم قالا : إحصانها إسلامها وعفافها في قوله :
فإذا أحصن .
وقال آخرون : معنى قوله :
فإذا أحصن ، فإذا تزوجن .
ذكر من قال ذلك :
9100 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : فإذا أحصن ، يعني : إذا تزوجن حرا .
9101 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
هشيم قال :
[ ص: 202 ] أخبرنا
حصين ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس أنه كان يقرأ : (
فإذا أحصن ) . يقول : إذا تزوجن .
9102 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
عكرمة : أن
ابن عباس كان يقرأ :
فإذا أحصن ، يقول : تزوجن .
9103 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن إدريس قال : سمعت
ليثا ، عن
مجاهد قال :
إحصان الأمة أن ينكحها الحر ،
وإحصان العبد أن ينكح الحرة .
9104 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : حدثنا
محمد بن جعفر قال : حدثنا
شعبة ، عن
عمرو بن مرة : أنه سمع
سعيد بن جبير يقول : لا تضرب الأمة إذا زنت ، ما لم تتزوج .
9105 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : عن
الحسن في قوله :
فإذا أحصن . قال : أحصنتهن البعولة .
9106 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة :
فإذا أحصن ، قال : أحصنتهن البعولة .
9107 - حدثنا
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=16736عياض بن عبد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد : أن
الشعبي أخبره ، أن
ابن عباس أخبره : أنه أصاب جارية له قد كانت زنت ، وقال : أحصنتها .
قال
أبو جعفر وهذا التأويل على قراءة من قرأ : (
فإذا أحصن ) بضم " الألف " وعلى تأويل من قرأ : " فإذا أحصن " بفتحها . وقد بينا الصواب من القول والقراءة في ذلك عندنا .