القول في تأويل قوله تعالى : (
قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض )
قال
أبو جعفر : إن الله جل ثناؤه عرف ملائكته - الذين سألوه أن يجعلهم الخلفاء في الأرض ، ووصفوا أنفسهم بطاعته والخضوع لأمره ، دون غيرهم الذين يفسدون فيها ويسفكون الدماء - أنهم ، من الجهل بمواقع تدبيره ومحل قضائه ، قبل إطلاعه إياهم عليه ، على نحو جهلهم بأسماء الذين عرضهم عليهم ، إذ كان ذلك مما لم يعلمهم فيعلموه ، وأنهم وغيرهم من العباد لا يعلمون من العلم إلا ما علمهم إياه ربهم ، وأنه
يخص بما شاء من العلم من شاء من الخلق ، ويمنعه منهم من شاء ، كما
علم آدم أسماء ما عرض على الملائكة ، ومنعهم علمها إلا بعد تعليمه إياهم .
فأما تأويل قوله : "
قال يا آدم أنبئهم " يقول : أخبر الملائكة ، والهاء والميم في قوله : " أنبئهم " عائدتان على الملائكة . وقوله : " بأسمائهم " يعني بأسماء الذين عرضهم على الملائكة ، والهاء والميم اللتان في " أسمائهم " كناية عن ذكر
[ ص: 497 ] " هؤلاء " التي في قوله : "
أنبئوني بأسماء هؤلاء " " فلما أنبأهم " يقول : فلما أخبر آدم الملائكة بأسماء الذين عرضهم عليهم ، فلم يعرفوا أسماءهم ، وأيقنوا خطأ قيلهم : "
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " وأنهم قد هفوا في ذلك وقالوا ما لا يعلمون كيفية وقوع قضاء ربهم في ذلك لو وقع ، على ما نطقوا به ، قال لهم ربهم : "
ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض " والغيب : هو ما غاب عن أبصارهم فلم يعاينوه ، توبيخا من الله جل ثناؤه لهم بذلك ، على ما سلف من قيلهم ، وفرط منهم من خطأ مسألتهم . كما :
676 - حدثنا به
محمد بن العلاء ، قال : حدثنا
عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا
بشر بن عمارة ، عن
أبي روق ، عن
الضحاك ، عن
ابن عباس : "
قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم " يقول : أخبرهم بأسمائهم "
فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم " أيها الملائكة خاصة "
إني أعلم غيب السماوات والأرض " ولا يعلمه غيري .
677 - وحدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد في قصة الملائكة
وآدم : فقال الله للملائكة : كما لم تعلموا هذه الأسماء فليس لكم علم ، إنما أردت أن أجعلهم ليفسدوا فيها ، هذا عندي قد علمته ، فكذلك أخفيت عنكم أني أجعل فيها من يعصيني ومن يطيعني ، قال : وسبق من الله : (
لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) [ سورة هود : 119 ، وسورة السجدة : 13 ] ، قال : ولم تعلم الملائكة ذلك ولم يدروه . قال : فلما رأوا ما أعطى الله
آدم من العلم أقروا لآدم بالفضل .