[ ص: 371 ] القول في
تأويل قوله ( يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا ( 42 )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه يوم نجيء من كل أمة بشهيد ونجيء بك على أمتك يا
محمد شهيدا يود الذين كفروا " يقول يتمنى الذين جحدوا وحدانية الله وعصوا رسوله لو تسوى بهم الأرض "
[ ص: 372 ]
واختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة
أهل الحجاز ومكة والمدينة : (
لو تسوى بهم الأرض ) " بتشديد " السين و الواو وفتح التاء بمعنى لو تتسوى بهم الأرض ثم أدغمت التاء الثانية في السين يراد به أنهم يودون لو صاروا ترابا فكانوا سواء هم والأرض
وقرأ آخرون ذلك : (
لو تسوى بهم الأرض ) ، بفتح " التاء وتخفيف السين وهي قراءة عامة قرأة
أهل الكوفة بالمعنى الأول غير أنهم تركوا تشديد السين واعتلوا بأن
العرب لا تكاد تجمع بين تشديدين في حرف واحد
وقرأ ذلك آخرون (
لو تسوى بهم الأرض ) بمعنى لو سواهم الله والأرض فصاروا ترابا مثلها بتصييره إياهم كما يفعل ذلك بمن ذكر أنه يفعله به من البهائم
قال
أبو جعفر وكل هذه القراءات متقاربات المعنى وبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب لأن من تمنى منهم أن يكون يومئذ ترابا إنما يتمنى أن يكون كذلك بتكوين الله إياه كذلك وكذلك من تمنى أن يكون الله جعله كذلك فقد تمنى أن يكون ترابا على أن الأمر وإن كان كذلك فأعجب القراءة إلي في ذلك (
لو تسوى بهم الأرض ) بفتح التاء وتخفيف السين كراهية الجمع بين تشديدين في حرف واحد وللتوفيق في المعنى بين ذلك وبين قوله : (
ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ) [ سورة النبأ 40 ] فأخبر الله عنهم جل ثناؤه أنهم
يتمنون أن كانوا ترابا ولم يخبر عنهم أنهم قالوا يا ليتني كنت ترابا فكذلك قوله لو تسوى بهم الأرض فيسووا هم وهي أعجب إلي ليوافق ذلك المعنى الذي أخبر عنهم
[ ص: 373 ] بقوله يا ليتني كنت ترابا وأما قوله ولا يكتمون الله حديثا فإن أهل التأويل تأولوه بمعنى ولا تكتم الله جوارحهم حديثا وإن جحدت ذلك أفواههم
ذكر من قال ذلك
9520 - حدثنا
ابن حميد قال حدثنا
حكام قال حدثنا
عمرو عن
مطرف ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15342المنهال بن عمرو عن
سعيد بن جبير قال أتى رجل
ابن عباس فقال سمعت الله يقول (
والله ربنا ما كنا مشركين ) [ سورة الأنعام 23 ] وقال في آية أخرى
ولا يكتمون الله حديثا . فقال
ابن عباس : أما قوله
والله ربنا ما كنا مشركين : فإنهم لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام قالوا تعالوا فلنجحد ، فقالوا
والله ربنا ما كنا مشركين . فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم فلا يكتمون الله حديثا
9521 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال أخبرنا
عبد الرزاق قال أخبرنا
معمر عن رجل عن
nindex.php?page=showalam&ids=15342المنهال بن عمرو عن
سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى
ابن عباس فقال أشياء تختلف علي في القرآن فقال ما هو أشك في القرآن قال ليس بالشك ولكنه اختلاف . قال فهات ما اختلف عليك قال أسمع الله يقول : (
ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ) [ سورة الأنعام 23 ] ، وقال
ولا يكتمون الله حديثا : وقد كتموا فقال
ابن عباس : أما قوله
ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين : فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله يغفر لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركا ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره جحد المشركون فقالوا
والله ربنا ما كنا مشركين : رجاء أن يغفر لهم فختم على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون فعند ذلك
يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا "
[ ص: 374 ]
9522 - حدثني
المثنى قال حدثنا
مسلم بن إبراهيم قال حدثنا
القاسم قال حدثنا
الزبير ، عن
الضحاك : أن
نافع بن الأزرق أتى
ابن عباس فقال يا
ابن عباس قول الله تبارك وتعالى
يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا :
[ ص: 375 ] وقوله : (
والله ربنا ما كنا مشركين ) ؟ فقال له
ابن عباس : إني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت ألقى علي
ابن عباس متشابه القرآن فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله جامع الناس يوم القيامة في بقيع واحد فيقول المشركون إن الله لا يقبل من أحد شيئا إلا ممن وحده ، فيقولون تعالوا نقل فيسألهم فيقولون
والله ربنا ما كنا مشركين قال فيختم على أفواههم ويستنطق جوارحهم فتشهد عليهم جوارحهم أنهم كانوا مشركين فعند ذلك تمنوا لو أن الأرض سويت بهم ولا يكتمون الله حديثا .
9523 - حدثني
محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثنا أبي عن أبيه عن
ابن عباس :
يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا : يعني أن تسوى الأرض بالجبال والأرض عليهم .
فتأويل الآية على هذا القول الذي حكيناه عن
ابن عباس : يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولم يكتموا الله حديثا ، كأنهم تمنوا أنهم سووا مع الأرض وأنهم لم يكونوا كتموا الله حديثا .
وقال آخرون معنى ذلك يومئذ لا يكتمون الله حديثا ويودون لو تسوى بهم الأرض وليس بمنكتم عن الله شيء من حديثهم لعلمه جل ذكره بجميع حديثهم وأمرهم فإن هم كتموه بألسنتهم فجحدوه لا يخفى عليه شيء منه .