[ ص: 452 ] القول في
تأويل قوله ( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ألم تر يا
محمد بقلبك الذين يزكون أنفسهم من
اليهود فيبرئونها من الذنوب ويطهرونها .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي كانت
اليهود تزكي به أنفسها .
فقال بعضهم : كانت تزكيتهم أنفسهم قولهم :
نحن أبناء الله وأحباؤه " .
ذكر من قال ذلك :
9733 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله :
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا : وهم أعداء الله
اليهود ، زكوا أنفسهم بأمر لم يبلغوه ، فقالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه . وقالوا : لا ذنوب لنا .
9734 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
الحسن في قوله :
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم قال : هم
اليهود والنصارى ، قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه . وقالوا :
لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى " .
9735 - وحدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
أبو تميلة ، عن
عبيد بن سليمان ، عن
الضحاك قال : قالت
يهود : ليست لنا ذنوب إلا كذنوب أولادنا يوم يولدون . فإن كانت لهم ذنوب فإن لنا ذنوبا فإنما نحن
[ ص: 453 ] مثلهم . قال الله تعالى ذكره : (
انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا )
9736 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله :
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم قال : قال أهل الكتاب :
لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى : وقالوا :
نحن أبناء الله وأحباؤه " ، وقالوا : نحن على الذي يحب الله " . فقال تبارك وتعالى :
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء : حين زعموا أنهم يدخلون الجنة ، وأنهم أبناء الله وأحباؤه وأهل طاعته .
9737 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن مفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي :
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا : نزلت في
اليهود ، قالوا : إنا نعلم أبناءنا التوراة صغارا ، فلا تكون لهم ذنوب ، وذنوبنا مثل ذنوب أبنائنا ، ما عملنا بالنهار كفر عنا بالليل " .
وقال آخرون : بل كانت تزكيتهم أنفسهم تقديمهم أطفالهم لإمامتهم في صلاتهم زعما منهم أنهم لا ذنوب لهم .
ذكر من قال ذلك :
9738 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : " يزكون أنفسهم " قال : يهود ، كانوا يقدمون صبيانهم في الصلاة فيؤمونهم ، يزعمون أنهم لا ذنوب لهم . فتلك التزكية .
9739 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد مثله .
9740 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج ، عن
مجاهد قال : كانوا يقدمون الصبيان أمامهم في
[ ص: 454 ] الدعاء والصلاة يؤمونهم ، ويزعمون أنهم لا ذنوب لهم ، فتلك تزكية . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : هم
اليهود والنصارى .
9741 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
حصين ، عن
أبي مالك في قوله :
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم قال : نزلت في
اليهود ، كانوا يقدمون صبيانهم يقولون : ليست لهم ذنوب " .
9742 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
أبي مكين ، عن
عكرمة في قوله :
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم قال : كان أهل الكتاب يقدمون الغلمان الذين لم يبلغوا الحنث يصلون بهم ، يقولون : ليس لهم ذنوب فأنزل الله :
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم الآية .
وقال آخرون : بل تزكيتهم أنفسهم كانت قولهم : إن أبناءنا سيشفعون لنا ويزكوننا " .
ذكر من قال ذلك :
9743 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله :
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم : وذلك أن
اليهود قالوا : إن أبناءنا قد توفوا ، وهم لنا قربة عند الله ، وسيشفعون ويزكوننا . فقال الله
لمحمد : " ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم " إلى " ولا يظلمون فتيلا " .
وقال آخرون : بل ذلك كان منهم تزكية من بعضهم لبعض .
ذكر من قال ذلك :
9744 - حدثني
يحيى بن إبراهيم المسعودي قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ،
[ ص: 455 ] عن
الأعمش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب قال : قال
عبد الله : إن الرجل ليغدو بدينه ، ثم يرجع وما معه منه شيء ، يلقى الرجل ليس يملك له نفعا ولا ضرا فيقول : والله إنك لذيت وذيت ، ولعله أن يرجع ولم يحل من حاجته بشيء ، وقد أسخط الله عليه . ثم قرأ : "
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم " الآية .
قال
أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : معنى تزكية القوم الذين وصفهم الله بأنهم يزكون أنفسهم وصفهم إياها بأنها لا ذنوب لها ولا خطايا ، وأنهم لله أبناء وأحباء ، كما أخبر الله عنهم أنهم كانوا يقولونه ؛ لأن ذلك هو أظهر معانيه لإخبار الله عنهم أنهم إنما كانوا يزكون أنفسهم دون غيرها .
وأما الذين قالوا : معنى ذلك : تقديمهم أطفالهم للصلاة فتأويل لا تدرك صحته إلا بخبر حجة يوجب العلم .
وأما قوله - جل ثناؤه - : "
بل الله يزكي من يشاء " فإنه تكذيب من الله المزكين أنفسهم من
اليهود والنصارى ، المبرئيها من الذنوب . يقول الله لهم : ما الأمر كما
[ ص: 456 ] زعمتم أنه لا ذنوب لكم ولا خطايا ، وأنكم برآء مما يكرهه الله ، ولكنكم أهل فرية وكذب على الله ، وليس المزكى من زكى نفسه ، ولكنه الذي يزكيه الله ، والله يزكي من يشاء من خلقه فيطهره ويبرئه من الذنوب بتوفيقه لاجتناب ما يكرهه من معاصيه إلى ما يرضاه من طاعته .
وإنما قلنا إن ذلك كذلك ؛ لقوله - جل ثناؤه - : "
انظر كيف يفترون على الله الكذب " وأخبر أنهم يفترون على الله الكذب بدعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وأن الله قد طهرهم من الذنوب .