[ ص: 480 ] القول في
تأويل قوله ( فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ( 54 ) )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : أم يحسد هؤلاء
اليهود الذين وصف صفتهم في هذه الآيات الناس على ما آتاهم الله من فضله من أجل أنهم ليسوا منهم ؟ فكيف لا يحسدون آل
إبراهيم فقد آتيناهم الكتاب ، ويعني بقوله : فقد آتينا آل إبراهيم : فقد أعطينا آل
إبراهيم ، يعني : أهله وأتباعه على دينه " الكتاب " يعني كتاب الله الذي أوحاه إليهم ، وذلك كصحف
إبراهيم وموسى والزبور ، وسائر ما آتاهم من الكتب .
وأما " الحكمة " فما أوحى إليهم مما لم يكن كتابا مقروءا " وآتيناهم ملكا عظيما " .
واختلف أهل التأويل في معنى " الملك العظيم " الذي عناه الله في هذه الآية .
فقال بعضهم : هو النبوة .
ذكر من قال ذلك :
9826 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله : أم يحسدون الناس ، قال :
يهود " على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل
إبراهيم الكتاب وليسوا منهم ، والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما : قال : النبوة .
[ ص: 481 ]
9827 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد مثله إلا أنه قال : ملكا : النبوة .
وقال آخرون : بل ذلك تحليل النساء . قالوا : وإنما عنى الله بذلك : " أم يحسدون
محمدا على ما أحل الله له من النساء ، فقد أحل الله مثل الذي أحله له منهن ، لداود
وسليمان وغيرهم من الأنبياء ، فكيف لم يحسدوهم على ذلك ، وحسدوا
محمدا - عليه السلام - ؟
ذكر من قال ذلك :
9828 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن مفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : " فقد آتينا آل إبراهيم " :
سليمان وداود " الحكمة : يعني النبوة ، "وآتيناهم ملكا عظيما " في النساء ، فما باله حل لأولئك وهم أنبياء : أن ينكح
داود تسعا وتسعين امرأة ، وينكح
سليمان مئة ، ولا يحل
لمحمد أن ينكح كما نكحوا ؟
وقال آخرون : بل معنى قوله : " وآتيناهم ملكا عظيما " الذي آتى
سليمان بن داود .
ذكر من قال ذلك :
9829 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : " وآتيناهم ملكا عظيما " يعني ملك
سليمان .
وقال آخرون : بل كانوا أيدوا بالملائكة .
ذكر من قال ذلك :
9830 - حدثنا
أحمد بن حازم الغفاري قال : حدثنا
أبو نعيم قال : حدثنا
[ ص: 482 ] إسرائيل ، عن
أبي إسحاق ، عن
همام بن الحارث : " وآتيناهم ملكا عظيما " قال : أيدوا بالملائكة والجنود .
قال
أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية وهي قوله : "
وآتيناهم ملكا عظيما " القول الذي روي عن
ابن عباس أنه قال : يعني ملك
سليمان ؛ لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب ، دون الذي قال إنه ملك النبوة ، ودون قول من قال : إنه تحليل النساء والملك عليهن ؛ لأن كلام الله الذي خوطب به العرب غير جائز توجيهه إلا إلى المعروف المستعمل فيهم من معانيه ، إلا أن تأتي دلالة أو تقوم حجة على أن ذلك بخلاف ذلك يجب التسليم لها .