[ ص: 19 ] القول في تأويل قوله (
إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق )
قال
أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "
إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق " ، فإن تولى هؤلاء المنافقون الذين اختلفتم فيهم عن الإيمان بالله ورسوله ، وأبوا الهجرة فلم يهاجروا في سبيل الله ، فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ، سوى من وصل منهم إلى قوم بينكم وبينهم موادعة وعهد وميثاق ، فدخلوا فيهم ، وصاروا منهم ، ورضوا بحكمهم ، فإن لمن وصل إليهم فدخل فيهم من أهل الشرك راضيا بحكمهم في حقن دمائهم بدخوله فيهم : أن لا تسبى نساؤهم وذراريهم ، ولا تغنم أموالهم ، كما : -
10069 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن مفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق " ، يقول : إذا أظهروا كفرهم فاقتلوهم حيث وجدتموهم ، فإن أحد منهم دخل في قوم بينكم وبينهم ميثاق ، فأجروا عليه مثل ما تجرون على أهل الذمة .
10070 - حدثني
يونس ، عن
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق " ، يصلون إلى هؤلاء الذين بينكم وبينهم ميثاق من القوم ، لهم من الأمان مثل ما لهؤلاء .
10071 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عكرمة قوله : "
إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق " ، قال نزلت في
هلال بن عويمر الأسلمي ، وسراقة بن مالك بن جعشم ، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف .
[ ص: 20 ]
وقد زعم بعض أهل العربية أن معنى قوله : "
إلا الذين يصلون إلى قوم " ، إلا الذين يتصلون في أنسابهم لقوم بينكم وبينهم ميثاق ، من قولهم : "اتصل الرجل" ، بمعنى : انتمى وانتسب ، كما قال
الأعشى في صفة امرأة انتسبت إلى قوم :
إذا اتصلت قالت : أبكر بن وائل! وبكر سبتها والأنوف رواغم!
يعني بقوله : "اتصلت" ، انتسبت .
قال
أبو جعفر : ولا وجه لهذا التأويل في هذا الموضع ، لأن الانتساب إلى قوم من أهل الموادعة أو العهد ، لو كان يوجب للمنتسبين إليهم ما لهم ، إذا لم يكن لهم من العهد والأمان ما لهم ، لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقاتل قريشا وهم أنسباء السابقين الأولين . ولأهل الإيمان من الحق بإيمانهم ، أكثر مما لأهل العهد بعهدهم . وفي قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركي
قريش بتركها الدخول فيما دخل فيه أهل الإيمان منهم ، مع قرب أنسابهم من أنساب المؤمنين منهم - الدليل الواضح أن انتساب من لا عهد له إلى ذي العهد منهم ، لم يكن موجبا له من العهد ما لذي العهد من انتسابه .
فإن ظن ذو غفلة أن قتال النبي صلى الله عليه وسلم من قاتل من أنسباء المؤمنين من مشركي
قريش ، إنما كان بعد ما نسخ قوله :
إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ، فإن أهل التأويل أجمعوا على أن ناسخ ذلك "براءة" ، و "براءة" نزلت بعد فتح
مكة ودخول
قريش في الإسلام .