[ ص: 23 ] القول في تأويل قوله (
ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ( 90 ) )
قال
أبو جعفر : يعني جل ثناؤه : "
ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم " ، ولو شاء الله لسلط هؤلاء الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق فيدخلون في جوارهم وذمتهم ، والذين يجيئونكم قد حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم عليكم ، أيها المؤمنون ، فقاتلوكم مع أعدائكم من المشركين ، ولكن الله تعالى ذكره كفهم عنكم . يقول جل ثناؤه : فأطيعوا الذي أنعم عليكم بكفهم عنكم مع سائر ما أنعم به عليكم ، فيما أمركم به من الكف عنهم إذا وصلوا إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ، أو جاءوكم حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم . ثم قال جل ثناؤه : "
فإن اعتزلوكم " ، يقول : فإن اعتزلكم هؤلاء الذين أمرتكم بالكف عن قتالهم من المنافقين ، بدخولهم في أهل عهدكم ، أو مصيرهم إليكم حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم "
فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم " ، يقول : وصالحوكم .
و "السلم " ، هو الاستسلام . وإنما هذا مثل ، كما يقول الرجل للرجل : "أعطيتك قيادي" ، و "ألقيت إليك خطامي" ، إذا استسلم له وانقاد لأمره . فكذلك قوله : "وألقوا إليكم السلم" ، إنما هو : ألقوا إليكم قيادهم واستسلموا لكم ، صلحا منهم لكم وسلما . ومن "السلم" قول
الطرماح :
وذاك أن تميما غادرت سلما للأسد كل حصان وعثة اللبد
[ ص: 24 ]
يعني بقوله : "سلما" ، استسلاما .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
10073 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
ابن أبي جعفر : عن أبيه ، عن
الربيع : "
فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم " ، قال : الصلح .
وأما قوله : "
فما جعل الله لكم عليهم سبيلا " ، فإنه يقول : إذا استسلم لكم هؤلاء المنافقون الذين وصف صفتهم ، صلحا منهم لكم
فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ، أي : فلم يجعل الله لكم على أنفسهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم طريقا إلى قتل أو سباء أو غنيمة ، بإباحة منه ذلك لكم ولا إذن ، فلا تعرضوا لهم في ذلك إلا سبيل خير
ثم نسخ الله جميع حكم هذه الآية والتي بعدها بقوله تعالى ذكره :
[ ص: 25 ]
(
فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) إلى قوله : (
فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) [ سورة التوبة : 5 ] .
ذكر من قال في ذلك مثل الذي قلنا :
10074 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، عن
الحسين ، عن
يزيد ، عن
عكرمة والحسن قالا : قال : (
فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ) إلى قوله : (
وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا ) وقال في "الممتحنة" : (
لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) ، وقال فيها : (
إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم ) إلى (
فأولئك هم الظالمون ) [ سورة الممتحنة : 8 ، 9 ] . فنسخ هؤلاء الآيات الأربع في شأن المشركين فقال : (
براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين ) [ سورة التوبة : 1 ، 2 ] . فجعل لهم أربعة أشهر يسيحون في الأرض ، وأبطل ما كان قبل ذلك . وقال في التي تليها : (
فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ) ، ثم نسخ واستثنى فقال : (
فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ) إلى قوله : (
ثم أبلغه مأمنه ) [ سورة التوبة : 5 ، 6 ] .
10075 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة في قوله : "
فإن اعتزلوكم " ، قال : نسختها : (
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) .
[ ص: 26 ]
10076 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
الحجاج بن المنهال قال : حدثنا
همام بن يحيى قال : سمعت
قتادة : يقول في قوله : "
إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق " إلى قوله : "
فما جعل الله لكم عليهم سبيلا " ، ثم نسخ ذلك بعد في "براءة" وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقاتل المشركين بقوله : (
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ) .
10077 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق " ، الآية ، قال : نسخ هذا كله أجمع ، نسخه الجهاد ، ضرب لهم أجل أربعة أشهر : إما أن يسلموا ، وإما أن يكون الجهاد .