القول في
تأويل قوله ( إن يدعون من دونه إلا إناثا )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : معنى ذلك : إن يدعون من دونه إلا اللات والعزى ومناة ، فسماهن الله "إناثا" ، بتسمية المشركين إياهن بتسمية الإناث .
ذكر من قال ذلك :
10430 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
هشيم قال أخبرنا
حصين ، عن
أبي مالك في قوله : "
إن يدعون من دونه إلا إناثا " ، قال : اللات والعزى ومناة ، كلها مؤنث .
10431 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16715عمرو بن عون قال : حدثنا
هشيم ، عن
حصين ، عن
أبي مالك بنحوه إلا أنه قال : كلهن مؤنث .
10432 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن مفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
إن يدعون من دونه إلا إناثا " ، يقول : يسمونهم "إناثا" : لات ومناة وعزى .
10433 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
إن يدعون من دونه إلا إناثا " ، قال : آلهتهم ، اللات والعزى ويساف
[ ص: 208 ] ونائلة ، إناث ، يدعونهم من دون الله . وقرأ : "
وإن يدعون إلا شيطانا مريدا " .
وقال آخرون : معنى ذلك : إن يدعون من دونه إلا مواتا لا روح فيه .
ذكر من قال ذلك :
10434 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : "
إن يدعون من دونه إلا إناثا " ، يقول : ميتا .
10435 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : "
إن يدعون من دونه إلا إناثا " ، أي : إلا ميتا لا روح فيه .
10436 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
الحجاج قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16874مبارك بن فضالة ، عن
الحسن : "
إن يدعون من دونه إلا إناثا " ، قال : و "الإناث" كل شيء ميت ليس فيه روح : خشبة يابسة أو حجر يابس ، قال الله تعالى : "
وإن يدعون إلا شيطانا مريدا " إلى قوله : "فليبتكن آذان الأنعام" .
وقال آخرون : عنى بذلك أن المشركين كانوا يقولون : "الملائكة بنات الله" .
ذكر من قال ذلك :
10437 - حدثني
يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا
يزيد قال : أخبرنا
[ ص: 209 ] جويبر ، عن
الضحاك في قوله : "
إن يدعون من دونه إلا إناثا " ، قال : الملائكة ، يزعمون أنهم بنات الله .
وقال آخرون : معنى ذلك : أن أهل الأوثان كانوا يسمون أوثانهم "إناثا" ، فأنزل الله ذلك كذلك .
ذكر من قال ذلك :
10438 - حدثنا
سفيان بن وكيع قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، عن
نوح بن قيس ، عن
أبي رجاء ، عن
الحسن قال : كان لكل حي من أحياء العرب صنم ، يسمونها "أنثى بني فلان" ، فأنزل الله "
إن يدعون من دونه إلا إناثا " .
10439 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا
نوح بن قيس قال : حدثنا
محمد بن سيف أبو رجاء الحداني قال : سمعت
الحسن يقول : كان لكل حي من العرب ، فذكر نحوه .
وقال آخرون : "الإناث" في هذا الموضع ، الأوثان .
ذكر من قال ذلك :
10440 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : "إناثا" قال : أوثانا .
[ ص: 210 ]
10441 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
10442 - حدثنا
سفيان قال : حدثنا
أبو أسامة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه قال : كان في مصحف
عائشة : "إن يدعون من دونه إلا أوثانا" .
قال
أبو جعفر : روي عن
ابن عباس أنه كان يقرؤها : "إن يدعون من دونه إلا أثنا" بمعنى جمع "وثن" فكأنه جمع "وثنا" "وثنا" ، ثم قلب الواو همزة مضمومة ، كما قيل : "ما أحسن هذه الأجوه" ، بمعنى الوجوه وكما قيل : (
وإذا الرسل أقتت ) [ سورة المرسلات : 11 ] ، بمعنى : وقتت .
وذكر عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك : "إن يدعون من دونه إلا أنثا" كأنه أراد جمع "الإناث" فجمعها "أنثا" ، كما تجمع "الثمار" "ثمرا" .
قال
أبو جعفر : والقراءة التي لا نستجيز القراءة بغيرها ، قراءة من قرأ : (
إن يدعون من دونه إلا إناثا ) ، بمعنى جمع "أنثى" ، لأنها كذلك في مصاحف المسلمين ، ولإجماع الحجة على قراءة ذلك كذلك .
قال
أبو جعفر : وأولى التأويلات التي ذكرت بتأويل ذلك ، إذ كان الصواب عندنا من القراءة ما وصفت ، تأويل من قال : عني بذلك الآلهة التي كان مشركو العرب يعبدونها من دون الله ويسمونها الإناث من الأسماء ، كاللات والعزى ونائلة ومناة ، وما أشبه ذلك .
[ ص: 211 ]
وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية ، لأن الأظهر من معاني "الإناث" في كلام العرب ، ما عرف بالتأنيث دون غيره . فإذ كان ذلك كذلك ، فالواجب توجيه تأويله إلى الأشهر من معانيه .
وإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : "
ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا إن يدعون من دونه إلا إناثا " ، يقول : ما يدعو الذين يشاقون الرسول ويتبعون غير سبيل المؤمنين شيئا
من دون الله بعد الله وسواه ، إلا إناثا يعني : إلا ما سموه بأسماء الإناث كاللات والعزى وما أشبه ذلك . يقول جل ثناؤه : فحسب هؤلاء الذين أشركوا بالله ، وعبدوا ما عبدوا من دونه من الأوثان والأنداد ، حجة عليهم في ضلالتهم وكفرهم وذهابهم عن قصد السبيل ، أنهم يعبدون إناثا ويدعونها آلهة وأربابا ، والإناث من كل شيء أخسه ، فهم يقرون للخسيس من الأشياء بالعبودة ، على علم منهم بخساسته ، ويمتنعون من إخلاص العبودة للذي له ملك كل شيء ، وبيده الخلق والأمر .