القول في تأويل قوله (
والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا ( 122 ) )
قال
أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "
والذين آمنوا وعملوا الصالحات " ، والذين صدقوا الله ورسوله ، وأقروا له بالوحدانية ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالنبوة وعملوا الصالحات يقول : وأدوا فرائض الله التي فرضها عليهم "
سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار " ، يقول : سوف ندخلهم يوم القيامة إذا صاروا إلى الله ، جزاء بما عملوا في الدنيا من الصالحات جنات يعني :
[ ص: 227 ] بساتين "
تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا " ، يقول : باقين في هذه الجنات التي وصفها أبدا دائما .
وقوله : "
وعد الله حقا " ، يعني : عدة من الله لهم ذلك في الدنيا حقا يعني : يقينا صادقا ، لا كعدة الشيطان الكاذبة التي هي غرور من وعدها من أوليائه ، ولكنها عدة ممن لا يكذب ولا يكون منه الكذب ، ولا يخلف وعده .
وإنما وصف جل ثناؤه وعده بالصدق والحق في هذه ، لما سبق من خبره جل ثناؤه عن قول الشيطان الذي قصه في قوله : "
وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام " ، ثم قال جل ثناؤه : "
يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " ، ولكن الله يعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنه سيدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، وعدا منه حقا ، لا كوعد الشيطان الذي وصف صفته .
فوصف جل ثناؤه الوعدين والواعدين ، وأخبر بحكم أهل كل وعد منهما ، تنبيها منه جل ثناؤه خلقه على ما فيه مصلحتهم وخلاصهم من الهلكة والمعطبة ، لينزجروا عن معصيته ويعملوا بطاعته ، فيفوزوا بما أعد لهم في جنانه من ثوابه .
ثم قال لهم جل ثناؤه : "
ومن أصدق من الله قيلا " ، يقول : ومن أصدق ، أيها الناس ، من الله قيلا أي : لا أحد أصدق منه قيلا! فكيف تتركون العمل بما وعدكم على العمل به ربكم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، وتكفرون به وتخالفون أمره ، وأنتم تعلمون أنه لا أحد أصدق منه قيلا وتعملون
[ ص: 228 ] بما يأمركم به الشيطان رجاء لإدراك ما يعدكم من عداته الكاذبة وأمانيه الباطلة ، وقد علمتم أن عداته غرور لا صحة لها ولا حقيقة ، وتتخذونه وليا من دون الله ، وتتركون أن تطيعوا الله فيما يأمركم به وينهاكم عنه ، فتكونوا له أولياء؟
ومعنى "القيل" و "القول" واحد .