[ ص: 248 ] القول في
تأويل قوله ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ( 124 ) )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه الذين قال لهم : "
ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب " ، يقول الله لهم : إنما يدخل الجنة وينعم فيها في الآخرة ، من يعمل من الصالحات من ذكوركم وإناثكم ، وذكور عبادي وإناثهم ، وهو مؤمن بي وبرسولي محمد ، مصدق بوحدانيتي وبنبوة
محمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عندي لا أنتم أيها المشركون بي ، المكذبون رسولي ، فلا تطمعوا أن تحلوا - وأنتم كفار - محل المؤمنين بي ، وتدخلوا مداخلهم في القيامة ، وأنتم مكذبون برسولي ، كما : -
10535 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن مفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قوله : "
ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن " ، قال : أبى أن يقبل الإيمان إلا بالعمل الصالح ، وأبى أن يقبل الإسلام إلا بالإحسان .
وأما قوله : "
ولا يظلمون نقيرا " ، فإنه يعني : ولا يظلم الله هؤلاء الذين يعملون الصالحات من ثواب عملهم ، مقدار النقرة التي تكون في ظهر النواة في القلة ، فكيف بما هو أعظم من ذلك وأكثر؟ وإنما يخبر بذلك جل ثناؤه عباده أنه لا يبخسهم من جزاء أعمالهم قليلا ولا كثيرا ، ولكن يوفيهم ذلك كما وعدهم .
[ ص: 249 ]
وبالذي قلنا في معنى "النقير" قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
10536 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
مجاهد : "
ولا يظلمون نقيرا " ، قال : النقير ، الذي يكون في ظهر النواة .
10537 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
أبو عامر قال : حدثنا
قرة ، عن
عطية قال : النقير ، الذي في وسط النواة .
فإن قال لنا قائل : ما وجه دخول : "من" في قوله : "
ومن يعمل من الصالحات " ، ولم يقل : "ومن يعمل الصالحات"؟
قيل : لدخولها وجهان :
أحدهما : أن يكون الله قد علم أن عباده المؤمنين لن يطيقوا أن يعملوا جميع الأعمال الصالحات ، فأوجب وعده لمن عمل ما أطاق منها ، ولم يحرمه من فضله بسبب ما عجزت عن عمله منها قوته .
والآخر منهما : أن يكون تعالى ذكره أوجب وعده لمن اجتنب الكبائر وأدى الفرائض ، وإن قصر في بعض الواجب له عليه ، تفضلا منه على عباده المؤمنين ، إذ كان الفضل به أولى ، والصفح عن أهل الإيمان به أحرى .
وقد تقول قوم من أهل العربية ، أنها أدخلت في هذا الموضع بمعنى الحذف ،
[ ص: 250 ] ويتأوله : ومن يعمل الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن .
وذلك عندي غير جائز ، لأن دخولها لمعنى ، فغير جائز أن يكون معناها الحذف .