القول في تأويل قوله (
وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ( 135 ) )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : عنى : "وإن تلووا" أيها الحكام في الحكم لأحد الخصمين
[ ص: 307 ] على الآخر"
أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا " .
ووجهوا معنى الآية إلى أنها نزلت في الحكام ، على نحو القول الذي ذكرنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي من قوله : إن الآية نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكرنا قبل .
ذكر من قال ذلك :
10683 - حدثنا
ابن حميد nindex.php?page=showalam&ids=13631وابن وكيع قالا حدثنا
جرير ، عن
قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن
ابن عباس في قول الله : "
وإن تلووا أو تعرضوا " ، قال : هما الرجلان يجلسان بين يدي القاضي ، فيكون لي القاضي وإعراضه لأحدهما على الآخر .
وقال آخرون : معنى ذلك : وإن تلووا ، أيها الشهداء ، في شهاداتكم فتحرفوها ولا تقيموها أو تعرضوا عنها فتتركوها .
ذكر من قال ذلك :
10684 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : "
وإن تلووا أو تعرضوا " ، يقول : إن تلووا بألسنتكم بالشهادة ، أو تعرضوا عنها .
10685 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : "
يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله " إلى قوله : "
وإن تلووا أو تعرضوا " ، يقول : تلوي
[ ص: 308 ] لسانك بغير الحق ، وهي اللجلجة ، فلا تقيم الشهادة على وجهها . و"الإعراض" ، الترك .
10686 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن ابن
أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : "
وإن تلووا " ، أي تبدلوا الشهادة"
أو تعرضوا " ، قال : تكتموها .
10687 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن ابن
أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
وإن تلووا ، قال : بتبديل الشهادة ، و"الإعراض" كتمانها .
10688 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن ابن
أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
وإن تلووا أو تعرضوا " ، قال : إن تحرفوا أو تتركوا .
10689 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : "
وإن تلووا أو تعرضوا ، قال : تلجلجوا ، أو تكتموا . وهذا في الشهادة .
10690 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
وإن تلووا أو تعرضوا " ، أما "تلووا" ، فتلوي للشهادة فتحرفها حتى لا تقيمها وأما "تعرضوا" فتعرض عنها فتكتمها ، وتقول : ليس عندي شهادة!
10691 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : "
وإن تلووا " ، فتكتموا الشهادة ، يلوي ببعض منها أو يعرض عنها فيكتمها ، فيأبى أن يشهد عليه ، يقول : أكتم عنه لأنه مسكين أرحمه! فيقول : لا أقيم الشهادة عليه . ويقول : هذا غني أبقيه وأرجو ما قبله ، فلا أشهد عليه! فذلك قوله : "
إن يكن غنيا أو فقيرا " .
[ ص: 309 ]
10692 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
وإن تلووا ، تحرفوا"
أو تعرضوا " ، تتركوا .
10693 - حدثنا
محمد بن عمارة قال : حدثنا
حسن بن عطية قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16796فضيل بن مرزوق ، عن
عطية في قوله : "
وإن تلووا " ، قال : إن تلجلجوا في الشهادة فتفسدوها"
أو تعرضوا " ، قال : تتركوها .
10694 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16715عمرو بن عون قال : أخبرنا
هشيم ، عن
جويبر ، عن
الضحاك في قوله : "
وإن تلووا أو تعرضوا " ، قال : إن تلووا في الشهادة ، أن لا تقيمها على وجهها "
أو تعرضوا ، قال : تكتموا الشهادة .
10695 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
عبد الرحمن بن أبي حماد قال : حدثنا
شيبان ، عن
قتادة : أنه كان يقول : "
وإن تلووا أو تعرضوا " ، يعني : تلجلجوا"أو تعرضوا" ، قال : تدعها فلا تشهد .
10696 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال : سمعت
أبا معاذ قال : حدثنا
عبيد بن سليمان قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : "
وإن تلووا أو تعرضوا " ، أما"تلووا" ، فهو أن يلوي الرجل لسانه بغير الحق . يعني : في الشهادة .
قال
أبو جعفر : وأولى التأويلين بالصواب في ذلك ، تأويل من تأوله ، أنه لي الشاهد شهادته لمن يشهد له وعليه ، وذلك تحريفه إياها بلسانه ، وتركه إقامتها ، ليبطل بذلك شهادته لمن شهد له ، وعمن شهد عليه .
[ ص: 310 ]
وأما إعراضه عنها ، فإنه تركه أداءها والقيام بها ، فلا يشهد بها .
وإنما قلنا : هذا التأويل أولى بالصواب ، لأن الله جل ثناؤه قال : "
كونوا قوامين بالقسط شهداء الله " ، فأمرهم بالقيام بالعدل شهداء . وأظهر معاني"الشهداء" ، ما ذكرنا من وصفهم بالشهادة .
واختلفت القرأة في قراءة قوله : "وإن تلووا" .
فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار سوى
الكوفة : ( وإن تلووا ) بواوين ، من : "لواني الرجل حقي ، والقوم يلوونني ديني" وذلك إذا مطلوه"ليا" .
وقرأ ذلك جماعة من قرأة
أهل الكوفة : ( وإن تلوا ) بواو واحدة .
ولقراءة من قرأ ذلك كذلك وجهان :
أحدهما : أن يكون قارئها أراد همز "الواو" لانضمامها ، ثم أسقط الهمز ، فصار إعراب الهمز في اللام إذ أسقطه ، وبقيت واو واحدة . كأنه أراد : "تلؤوا" ثم حذف الهمز . وإذا عنى هذا الوجه ، كان معناه معنى من قرأ : "وإن تلووا" ، بواوين ، غير أنه خالف المعروف من كلام العرب . وذلك أن"الواو" الثانية من قوله : "تلووا" واو جمع ، وهي علم لمعنى ، فلا يصح همزها ، ثم حذفها بعد همزها ، فيبطل علم المعنى الذي له أدخلت "الواو" المحذوفة .
والوجه الآخر : أن يكون قارئها كذلك ، أراد : أن"تلوا" من"الولاية" ، فيكون معناه : وأن تلوا أمور الناس وتتركوا . وهذا معنى إذا وجه القارئ قراءته على ما وصفنا ، إليه خارج عن معاني أهل التأويل ، وما وجه إليه أصحاب رسول الله صلى
[ ص: 311 ] الله عليه وسلم والتابعون ، تأويل الآية .
قال
أبو جعفر : فإذ كان فساد ذلك واضحا من كلا وجهيه ، فالصواب من القراءة الذي لا يصلح غيره أن يقرأ به عندنا : (
وإن تلووا أو تعرضوا ) ، بمعنى : "اللي" الذي هو مطل .
فيكون تأويل الكلام : وإن تدفعوا القيام بالشهادة على وجهها لمن لزمكم القيام له بها ، فتغيروها وتبدلوا ، أو تعرضوا عنها فتتركوا القيام له بها ، كما يلوي الرجل دين الرجل فيدافعه بأدائه إليه على ما أوجب عليه له مطلا منه له ، كما قال
الأعشى :
يلوينني ديني النهار ، وأقتضي ديني إذا وقذ النعاس الرقدا
وأما تأويل قوله : "
فإن الله كان بما تعملون خبيرا " ، فإنه أراد : "
فإن الله كان بما تعملون " ، من إقامتكم الشهادة وتحريفكم إياها ، وإعراضكم عنها
[ ص: 312 ] بكتمانكموها"خبيرا" ، يعني ذا خبرة وعلم به ، يحفظ ذلك منكم عليكم ، حتى يجازيكم به جزاءكم في الآخرة ، المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته . يقول : فاتقوا ربكم في ذلك .