القول في تأويل قوله (
إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا ( 137 ) )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : تأويله : إن الذين آمنوا
بموسى ثم كفروا به ، ثم آمنوا يعني :
النصارى بعيسى ثم كفروا به ، ثم ازدادوا كفرا
بمحمد "لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا " .
[ ص: 315 ]
ذكر من قال ذلك :
10697 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا " ، وهم
اليهود والنصارى . آمنت
اليهود بالتوراة ثم كفرت ، وآمنت
النصارى بالإنجيل ثم كفرت . وكفرهم به : تركهم إياه ثم ازدادوا كفرا بالفرقان
وبمحمد صلى الله عليه وسلم . فقال الله : "
لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا " ، يقول : لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريق هدى ، وقد كفروا بكتاب الله وبرسوله
محمد صلى الله عليه وسلم .
10698 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة في قوله : "
إن الذين آمنوا ثم كفروا " ، قال : هؤلاء
اليهود ، آمنوا بالتوراة ثم كفروا . ثم ذكر
النصارى ، ثم قال : "ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا" ، يقول : آمنوا بالإنجيل ثم كفروا به ، ثم ازدادوا كفرا
بمحمد صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : بل عنى بذلك أهل النفاق ، أنهم آمنوا ثم ارتدوا ، ثم آمنوا ثم ارتدوا ، ثم ازدادوا كفرا بموتهم على الكفر .
ذكر من قال ذلك :
10699 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد قوله : "
إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا " ، قال : كنا نحسبهم المنافقين ، ويدخل في ذلك من كان مثلهم"
ثم ازدادوا كفرا " ، قال : تموا على كفرهم حتى ماتوا .
[ ص: 316 ]
10700 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
ثم ازدادوا كفرا " ، قال : ماتوا .
10701 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله :
"ثم ازدادوا كفرا " ، قال : حتى ماتوا .
10702 - حدثنا
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
إن الذين آمنوا ثم كفروا " الآية ، قال : هؤلاء المنافقون ، آمنوا مرتين ، وكفروا مرتين ، ثم ازدادوا كفرا بعد ذلك .
وقال آخرون : بل هم أهل الكتابين ، التوراة والإنجيل ، أتوا ذنوبا في كفرهم فتابوا ، فلم تقبل منهم التوبة فيها ، مع إقامتهم على كفرهم .
ذكر من قال ذلك :
10703 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
أبو خالد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
أبي العالية : "
إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا " ، قال : هم
اليهود والنصارى ، أذنبوا في شركهم ثم تابوا ، فلم تقبل توبتهم . ولو تابوا من الشرك لقبل منهم .
قال
أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ، قول من قال عنى بذلك أهل الكتاب الذين أقروا بحكم التوراة ، ثم كذبوا بخلافهم إياه ، ثم أقر من أقر منهم
بعيسى والإنجيل ، ثم كذب به بخلافه إياه ، ثم كذب
بمحمد صلى الله عليه وسلم والفرقان فازداد بتكذيبه به كفرا على كفره .
وإنما قلنا : ذلك أولى بالصواب في تأويل هذه الآية ، لأن الآية قبلها في قصص
[ ص: 317 ] أهل الكتابين أعني قوله : "
يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله " ولا دلالة تدل على أن قوله : "
إن الذين آمنوا ثم كفروا " ، منقطع معناه من معنى ما قبله ، فالحاقه بما قبله أولى ، حتى تأتي دلالة دالة على انقطاعه منه .
وأما قوله : "
لم يكن الله ليغفر لهم " ، فإنه يعني : لم يكن الله ليستر عليهم كفرهم وذنوبهم ، بعفوه عن العقوبة لهم عليه ، ولكنه يفضحهم على رؤوس الأشهاد"
ولا ليهديهم سبيلا " يقول : ولم يكن ليسددهم لإصابة طريق الحق فيوفقهم لها ، ولكنه يخذلهم عنها ، عقوبة لهم على عظيم جرمهم ، وجرأتهم على ربهم .
وقد ذهب قوم إلى أن
المرتد يستتاب ثلاثا ، انتزاعا منهم بهذه الآية ، وخالفهم على ذلك آخرون .
ذكر من قال : يستتاب ثلاثا .
10704 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
حفص ، عن
أشعث ، عن
الشعبي ، عن
علي عليه السلام قال : إن كنت لمستتيب المرتد ثلاثا . ثم قرأ هذه الآية : "
إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا " .
10705 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
جابر ، عن
عامر ، عن علي رضي الله عنه : يستتاب المرتد ثلاثا . ثم قرأ : "
إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا " ، .
10706 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
عبد الكريم ، عن رجل ، عن
ابن عمر قال : يستتاب المرتد ثلاثا .
وقال آخرون : يستتاب كلما ارتد .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 318 ]
10707 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
عمرو بن قيس ، عمن سمع
إبراهيم قال : يستتاب المرتد كلما ارتد .
قال
أبو جعفر : وفي قيام الحجة بأن المرتد يستتاب المرة الأولى ، الدليل الواضح على أن حكم كل مرة ارتد فيها عن الإسلام حكم المرة الأولى ، في أن توبته مقبولة ، وأن إسلامه حقن له دمه . لأن العلة التي حقنت دمه في المرة الأولى إسلامه ، فغير جائز أن توجد العلة التي من أجلها كان دمه محقونا في الحالة الأولى ، ثم يكون دمه مباحا مع وجودها ، إلا أن يفرق بين حكم المرة الأولى وسائر المرات غيرها ، ما يجب التسليم له من أصل محكم ، فيخرج من حكم القياس حينئذ .