القول في تأويل قوله (
إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ( 163 ) )
قال
أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "
إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح " ، إنا أرسلنا إليك ، يا
محمد ، بالنبوة كما أرسلنا إلى
نوح ، وإلى سائر الأنبياء الذين سميتهم لك من بعده ، والذين لم أسمهم لك ، كما : -
[ ص: 400 ]
10839 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
جرير ، عن
الأعمش ، عن
منذر الثوري ، عن
الربيع بن خثيم في قوله : "
إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " ، قال : أوحى إليه كما أوحى إلى جميع النبيين من قبله .
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن بعض
اليهود لما فضحهم الله بالآيات التي أنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك من قوله : "
يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء " فتلا ذلك عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : "ما أنزل الله على بشر من شيء بعد
موسى "! فأنزل الله هذه الآيات ، تكذيبا لهم ، وأخبر نبيه والمؤمنين به أنه قد أنزل عليه بعد
موسى وعلى من سماهم في هذه الآية ، وعلى آخرين لم يسمهم ، كما : -
10840 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير وحدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة عن
محمد بن إسحاق قال : حدثني
محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني
سعيد بن جبير أو
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : قال
سكين nindex.php?page=showalam&ids=16559وعدي بن زيد : يا
محمد ، ما نعلم الله أنزل على بشر من شيء بعد
موسى ! فأنزل الله في ذلك من قولهما : "
إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " إلى آخر الآيات .
[ ص: 401 ] وقال آخرون : بل قالوا لما أنزل الله الآيات التي قبل هذه في ذكرهم : "ما أنزل الله على بشر من شيء ، ولا على
موسى ، ولا على
عيسى "! فأنزل الله جل ثناؤه : (
وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) ، [ سورة الأنعام : 91 ] ، ولا على
موسى ولا على
عيسى .
ذكر من قال ذلك :
10841 - حدثني
الحارث قال : حدثنا
عبد العزيز قال : حدثنا
أبو معشر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي قال : أنزل الله : "
يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء " إلى قوله : "
وقولهم على مريم بهتانا عظيما " ، فلما تلاها عليهم يعني : على
اليهود وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة ، جحدوا كل ما أنزل الله ، وقالوا : "ما أنزل الله على بشر من شيء ، ولا على
موسى ولا على
عيسى !! وما أنزل الله على نبي من شيء"! قال : فحل حبوته وقال : ولا على أحد !! فأنزل الله جل ثناؤه : (
وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) [ سورة الأنعام : 91 ]
وأما قوله : "
وآتينا داود زبورا " ، فإن القرأة اختلفت في قراءته .
فقرأته عامة قرأة أمصار الإسلام ، غير نفر من قرأة
الكوفة : (
وآتينا داود زبورا ) ، بفتح"الزاي" على التوحيد ، بمعنى : وآتينا
داود الكتاب المسمى"زبورا" .
وقرأ ذلك بعض قرأة الكوفيين : (
وآتينا داود زبورا ) ، بضم"الزاي" جمع"زبر" .
كأنهم وجهوا تأويله : وآتينا داود كتبا وصحفا مزبورة .
[ ص: 402 ]
من قولهم : "زبرت الكتاب أزبره زبرا" و"ذبرته أذبره ذبرا" ، إذا كتبته .
قال
أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندنا ، قراءة من قرأ : (
وآتينا داود زبورا ) ، بفتح"الزاي" ، على أنه اسم الكتاب الذي أوتيه
داود ، كما سمى الكتاب الذي أوتيه
موسى "التوراة" ، والذي أوتيه
عيسى "الإنجيل" ، والذي أوتيه
محمد "الفرقان" ، لأن ذلك هو الاسم المعروف به ما أوتي
داود . وإنما تقول العرب : "زبور
داود " ، بذلك تعرف كتابه سائر الأمم .