القول في
تأويل قوله ( ياأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى قول الله : "
لا تحلوا شعائر الله " .
فقال بعضهم معناه : لا تحلوا حرمات الله ، ولا تتعدوا حدوده كأنهم وجهوا"الشعائر" إلى المعالم ، وتأولوا"لا تحلوا شعائر الله" ، معالم حدود الله ، وأمره ونهيه وفرائضه .
[ ذكر من قال ذلك ] :
10938 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
عبد الوهاب الثقفي قال : حدثنا
حبيب المعلم ، عن
عطاء : أنه سئل عن"شعائر الله" فقال : حرمات الله ، اجتناب سخط الله ، واتباع طاعته ، فذلك"شعائر الله" .
[ ص: 463 ]
وقال آخرون : معنى ذلك : لا تحلوا حرم الله فكأنهم وجهوا معنى قوله : "شعائر الله" ، أي : معالم حرم الله من البلاد .
ذكر من قال ذلك :
10939 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله" ، قال : أما"شعائر الله" ، فحرم الله .
وقال آخرون : معنى ذلك : لا تحلوا مناسك الحج فتضيعوها وكأنهم وجهوا تأويل ذلك إلى : لا تحلوا معالم حدود الله التي حدها لكم في حجكم .
ذكر من قال ذلك :
10940 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال
ابن عباس قوله : "لا تحلوا شعائر الله" ، قال : مناسك الحج .
10941 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثنا
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : "يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله" ، قال : كان المشركون يحجون البيت الحرام ، ويهدون الهدايا ، ويعظمون حرمة المشاعر ، ويتجرون في حجهم ، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم ، فقال الله عز وجل : "لا تحلوا شعائر الله" .
10942 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله : "شعائر الله" ، الصفا والمروة ، والهدي ، والبدن ، كل هذا من"شعائر الله" .
[ ص: 464 ]
10943 - حدثني
المثنى قال : حدثني
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
وقال آخرون : معنى ذلك : لا تحلوا ما حرم الله عليكم في حال إحرامكم .
ذكر من قال ذلك :
10944 - حدثنا
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : "لا تحلوا شعائر الله" ، قال : "شعائر الله" ، ما نهى الله عنه أن تصيبه وأنت محرم .
وكأن الذين قالوا هذه المقالة ، وجهوا تأويل ذلك إلى : لا تحلوا معالم حدود الله التي حرمها عليكم في إحرامكم .
قال
أبو جعفر : وأولى التأويلات بقوله : "لا تحلوا شعائر الله" ، قول
عطاء الذي ذكرناه من توجيهه معنى ذلك إلى : لا تحلوا حرمات الله ولا تضيعوا فرائضه .
لأن"الشعائر" جمع"شعيرة" ، "والشعيرة""فعيلة" من قول القائل : "قد شعر فلان بهذا الأمر" ، إذا علم به . ف"الشعائر" ، المعالم ، من ذلك .
وإذا كان ذلك كذلك ، كان معنى الكلام : لا تستحلوا ، أيها الذين آمنوا ، معالم الله فيدخل في ذلك معالم الله كلها في مناسك الحج : من تحريم ما حرم الله إصابته فيها على المحرم ، وتضييع ما نهى عن تضييعه فيها ، وفيما حرم من استحلال حرمات حرمه ، وغير ذلك من حدوده وفرائضه ، وحلاله وحرامه ، لأن
[ ص: 465 ] كل ذلك من معالمه وشعائره التي جعلها أمارات بين الحق والباطل ، يعلم بها حلاله وحرامه ، وأمره ونهيه .
وإنما قلنا ذلك القول أولى بتأويل قوله تعالى : "لا تحلوا شعائر الله" ، لأن الله نهى عن استحلال شعائره ومعالم حدوده وإحلالها نهيا عاما ، من غير اختصاص شيء من ذلك دون شيء ، فلم يجز لأحد أن يوجه معنى ذلك إلى الخصوص إلا بحجة يجب التسليم لها ، ولا حجة بذلك كذلك .