القول في تأويل قوله (
حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : حرم الله عليكم ، أيها المؤمنون ، الميتة .
و" الميتة " : كل ما له نفس سائلة من دواب البر وطيره ، مما أباح الله أكلها ، أهليها ووحشيها ، فارقتها روحها بغير تذكية .
وقد قال بعضهم : " الميتة " ، هو كل ما فارقته الحياة من دواب البر وطيره بغير تذكية ، مما أحل الله أكله .
وقد بينا العلة الموجبة صحة القول بما قلنا في ذلك ، في كتابنا ( كتاب لطيف القول في الأحكام ) .
وأما"الدم" ، فإنه الدم المسفوح ، دون ما كان منه غير مسفوح ، لأن الله جل ثناؤه قال : (
قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير ) [ سورة الأنعام : 145 ] ، فأما ما كان قد صار في معنى اللحم ، كالكبد والطحال ، وما كان في اللحم غير
[ ص: 493 ] منسفح ، فإن ذلك غير حرام ، لإجماع الجميع على ذلك .
وأما قوله : "ولحم الخنزير" ، فإنه يعني : وحرم عليكم لحم الخنزير ، أهليه وبريه .
فالميتة والدم مخرجهما في الظاهر مخرج عموم ، والمراد منهما الخصوص . وأما لحم الخنزير ، فإن ظاهره كباطنه ، وباطنه كظاهره ، حرام جميعه ، لم يخصص منه شيء .
وأما قوله : "
وما أهل لغير الله به " ، فإنه يعني : وما ذكر عليه غير اسم الله .
وأصله من"استهلال الصبي" ، وذلك إذا صاح حين يسقط من بطن أمه . ومنه"إهلال المحرم بالحج" ، إذا لبى به ومنه قول
ابن أحمر :
يهل بالفرقد ركبانها كما يهل الراكب المعتمر
وإنما عنى بقوله : "
وما أهل لغير الله به " ، وما ذبح للآلهة وللأوثان ، يسمى عليه غير اسم الله .
[ ص: 494 ]
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وقد ذكرنا الرواية عمن قال ذلك فيما مضى ، فكرهنا إعادته .