[ ص: 543 ] القول في تأويل قوله (
يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : يسألك ، يا محمد ، أصحابك : ما الذي أحل لهم أكله من المطاعم والمآكل ؟ فقل لهم : أحل لكم منها "الطيبات" ، وهي الحلال الذي أذن لكم ربكم في أكله من الذبائح وأحل لكم أيضا مع ذلك ، صيد ما علمتم من"الجوارح" ، وهن الكواسب من سباع البهائم .
والطير سميت"جوارح" ، لجرحها لأربابها ، وكسبها إياهم أقواتهم من الصيد . يقال منه : "جرح فلان لأهله خيرا" ، إذا أكسبهم خيرا ، و"فلان جارحة أهله" ، يعني بذلك : كاسبهم ، و"لا جارحة لفلانة" ، إذا لم يكن لها كاسب ومنه قول
أعشى بني ثعلبة .
ذات حد منضج ميسمها تذكر الجارح ما كان اجترح
[ ص: 544 ]
يعني : اكتسب .
وترك من قوله : "وما علمتم" ، "وصيد" ما علمتم من الجوارح ، اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام على ما ترك ذكره .
[ ص: 545 ]
وذلك أن القوم ، فيما بلغنا ، كانوا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بقتل الكلاب ، عما يحل لهم اتخاذه منها وصيده ، فأنزل الله عز ذكره فيما سألوا عنه من ذلك هذه الآية . فاستثنى مما كان حرم اتخاذه منها ، وأمر بقنية كلاب الصيد وكلاب الماشية ، وكلاب الحرث ، وأذن لهم باتخاذ ذلك .
ذكر الخبر بذلك :
11134 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن حباب العكلي قال : حدثنا
موسى بن عبيدة قال : أخبرنا
أبان بن صالح ، عن
القعقاع بن حكيم ، عن
سلمى أم رافع ، عن
أبي رافع قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501913جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن عليه ، فأذن له فقال : قد أذنا لك يا رسول الله! قال : أجل ، ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب! قال أبو رافع : فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة ، فقتلت حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها ، فتركته رحمة لها ، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فأمرني فرجعت إلى الكلب فقتلته . فجاءوا فقالوا : يا رسول الله ، ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها ؟ قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : " يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين " .
[ ص: 546 ]
11135 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عكرمة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع في قتل الكلاب ، فقتل حتى بلغ العوالي فدخل عاصم بن عدي ، وسعد بن خيثمة ، وعويم بن ساعدة ، فقالوا : ماذا أحل لنا يا رسول الله ؟ فنزلت : "يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين" .
11136 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
عبد الله بن الزبير قال : حدثونا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811433لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ، قالوا : يا رسول الله ، فماذا يحل لنا من هذه الأمة ؟ فنزلت : "يسألونك ماذا أحل لهم" ، الآية .
[ ص: 547 ]
ثم اختلف أهل التأويل في"الجوارح" التي عنى الله بقوله : "
وما علمتم من الجوارح " .
فقال بعضهم : هو كل ما علم الصيد فتعلمه ، من بهيمة أو طائر .
ذكر من قال ذلك :
11137 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
ابن المبارك ، عن
إسماعيل بن مسلم ، عن
الحسن في قوله : "
وما علمتم من الجوارح مكلبين " ، قال : كل ما علم فصاد ، من كلب أو صقر أو فهد أو غيره .
11138 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
ابن فضيل ، عن
إسماعيل بن مسلم ، عن
الحسن : "مكلبين" ، قال : كل ما علم فصاد من كلب أو فهد أو غيره .
11139 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
ابن المبارك ، عن
معمر ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في صيد الفهد قال : هو من الجوارح .
11140 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
حكام ، عن
عنبسة ، عن
محمد بن عبد الرحمن ، عن
القاسم بن أبي بزة ، عن
مجاهد في قوله : "
وما علمتم من الجوارح مكلبين " ، قال : الطير والكلاب .
11141 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
أبو خالد الأحمر ، عن
الحجاج ، عن
عطاء ، عن
القاسم بن أبي بزة ، عن
مجاهد ، مثله .
11142 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
ابن عيينة ، عن حميد ، عن
مجاهد : " مكلبين " ، قال : من الكلاب والطير .
11143 - حدثنا
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله : "من الجوارح مكلبين " ، قال : من الطير والكلاب .
11144 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
[ ص: 548 ]
11145 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية قال : حدثنا
شعبة ح ، وحدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
شعبة ، عن
الهيثم ، عن
طلحة بن مصرف قال : قال
خيثمة بن عبد الرحمن : هذا ما قد بينت لك : أن الصقر والبازي من الجوارح .
11146 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
محمد بن جعفر قال : حدثنا
شعبة قال : سمعت
الهيثم يحدث ، عن
طلحة الإيامي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15848خيثمة قال : بينت لك : أن الصقر والباز والكلب من الجوارح .
11147 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
عبد الله بن عمر ، عن
نافع ، عن
علي بن حسين قال : الباز والصقر من الجوارح .
11148 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
يحيى بن يمان ، عن
شريك ، عن
جابر ، عن
أبي جعفر قال : الباز والصقر من"الجوارح المكلبين" . .
11149 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله قال : حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : "وما علمتم من الجوارح مكلبين" ، يعني ب "الجوارح" ، الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها .
11150 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
ابن طاوس ، عن أبيه : "
وما علمتم من الجوارح مكلبين " ، قال : من الكلاب ، وغيرها من الصقور والبيزان وأشباه ذلك مما يعلم .
[ ص: 549 ]
11151 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : "
وما علمتم من الجوارح مكلبين " ، الجوارح : الكلاب والصقور المعلمة .
11152 - حدثني
سعيد بن الربيع الرازي قال : حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، سمع
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير يقول في قوله : "من الجوارح مكلبين " ، قال : الكلاب والطير .
وقال آخرون : إنما عنى الله جل ثناؤه بقوله : "
وما علمتم من الجوارح مكلبين " ، الكلاب دون غيرها من السباع .
ذكر من قال ذلك :
11153 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
أبو تميلة قال : حدثنا
عبيد ، عن
الضحاك : "
وما علمتم من الجوارح مكلبين " ، قال : هي الكلاب .
11154 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن مفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قوله : "
وما علمتم من الجوارح مكلبين " ، يقول : أحل لكم صيد الكلاب التي علمتوهن .
11155 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
ابن أبي زائدة قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
نافع ، عن
ابن عمر ، قال : أما ما صاد من الطير والبزاة من الطير فما أدركت فهو لك ، وإلا فلا تطعمه .
قال
أبو جعفر : وأولى القولين بتأويل الآية قول من قال : "كل ما صاد من الطير والسباع فمن الجوارح ، وأن صيد جميع ذلك حلال إذا صاد بعد التعليم" ،
[ ص: 550 ] لأن الله جل ثناؤه عم بقوله : "
وما علمتم من الجوارح مكلبين " ، كل جارحة ، ولم يخصص منها شيئا . فكل"جارحة" ، كانت بالصفة التي وصف الله من كل طائر وسبع ، فحلال أكل صيدها .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ما قلنا في ذلك خبر ، مع ما في الآية من الدلالة التي ذكرنا على صحة ما قلنا في ذلك ، وهو ما : -
11156 - حدثنا به
هناد قال : حدثنا
عيسى بن يونس ، عن
مجالد ، عن
الشعبي ، nindex.php?page=hadith&LINKID=3501914عن عدي بن حاتم قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال : ما أمسك عليك فكل .
[ ص: 551 ]
فأباح صلى الله عليه وسلم صيد البازي وجعله من الجوارح . ففي ذلك دلالة بينة على فساد قول من قال : "عنى الله بقوله : "وما علمتم من الجوارح" ، ما علمنا من الكلاب خاصة ، دون غيرها من سائر الجوارح" .
فإن ظن ظان أن في قوله : " مكلبين " ، دلالة على أن الجوارح التي ذكرت في قوله : "وما علمتم من الجوارح " ، هي الكلاب خاصة ، فقد ظن غير الصواب .
وذلك أن معنى الآية : قل أحل لكم ، أيها الناس ، في حال مصيركم أصحاب كلاب الطيبات ، وصيد ما علمتوه الصيد من كواسب السباع والطير . فقوله : " مكلبين " ، صفة للقانص ، وإن صاد بغير الكلاب في بعض أحيانه . وهو نظير قول القائل يخاطب قوما : "
أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين مؤمنين " . فمعلوم أنه إنما عنى قائل ذلك ، إخبار القوم أن الله جل ذكره أحل لهم ، في حال كونهم أهل إيمان ، الطيبات وصيد الجوارح التي أعلمهم أنه لا يحل لهم منه إلا ما صادوه به فكذلك قوله : "
أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين " لذلك نظيره ، في أن التكليب للقانص بالكلاب كان صيده أو بغيرها لا أنه إعلام من الله عز ذكره أنه لا يحل من الصيد إلا ما صادته الكلاب .