صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " اليوم أحل لكم الطيبات " ، اليوم أحل لكم ، أيها المؤمنون ، الحلال من الذبائح والمطاعم دون الخبائث منها .

وقوله : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، وذبائح أهل الكتاب من [ ص: 573 ] اليهود والنصارى وهم الذين أوتوا التوراة والإنجيل وأنزل عليهم ، فدانوا بهما أو بأحدهما "حل لكم" يقول : حلال لكم ، أكله دون ذبائح سائر أهل الشرك الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الأوثان والأصنام . فإن من لم يكن منهم ممن أقر بتوحيد الله عز ذكره ودان دين أهل الكتاب ، فحرام عليكم ذبائحهم .

ثم اختلف فيمن عنى الله عز ذكره بقوله : " وطعام الذين أوتوا الكتاب " ، من أهل الكتاب .

فقال بعضهم : عنى الله بذلك ذبيحة كل كتابي ممن أنزل عليه التوراة والإنجيل ، أو ممن دخل في ملتهم فدان دينهم ، وحرم ما حرموا ، وحلل ما حللوا ، منهم ومن غيرهم من سائر أجناس الأمم .

ذكر من قال ذلك :

11220 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : حدثنا عبد الواحد قال : حدثنا خصيف قال : حدثنا عكرمة قال : سئل ابن عباس عن ذبائح نصارى بني تغلب ، فقرأ هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود ) إلى قوله : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) ، الآية [ سورة المائدة : 51 ] .

11221 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان : عن عاصم الأحول ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله .

11222 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن عثمة قال : حدثنا سعيد بن بشر ، عن قتادة ، عن الحسن وعكرمة : أنهما كانا لا يريان بأسا بذبائح نصارى [ ص: 574 ] بني تغلب ، وبتزوج نسائهم ، ويتلوان : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) .

11223 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن وسعيد بن المسيب : أنهما كانا لا يريان بأسا بذبيحة نصارى بني تغلب .

11224 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن الشعبي : أنه كان لا يرى بأسا بذبائح نصارى بني تغلب ، وقرأ : ( وما كان ربك نسيا ) ، [ سورة مريم : 64 ] .

11225 - حدثني ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا أبو عاصم قال : أخبرنا ابن جريج قال : حدثني ابن شهاب عن ذبيحة نصارى العرب ، قال : تؤكل من أجل أنهم في الدين أهل كتاب ، ويذكرون اسم الله .

11226 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا ابن جريج قال : قال عطاء : إنما يقرون بدين ذلك الكتاب .

11227 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا شعبة قال : سألت الحكم وحمادا وقتادة عن ذبائح نصارى بني تغلب ، فقالوا : لا بأس بها . قال : وقرأ الحكم : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) ، [ سورة البقرة : 78 ] .

11228 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كلوا من ذبائح بني تغلب ، وتزوجوا من نسائهم ، فإن الله قال في كتابه : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) [ سورة المائدة : 51 ] ، فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية ، لكانوا منهم .

[ ص: 575 ]

11229 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة : أن الحسن كان لا يرى بأسا بذبائح نصارى بني تغلب ، وكان يقول : انتحلوا دينا ، فذاك دينهم .

وقال آخرون : إنما عنى بالذين أوتوا الكتاب في هذه الآية ، الذين أنزل عليهم التوراة والإنجيل من بني إسرائيل وأبنائهم ، فأما من كان دخيلا فيهم من سائر الأمم ممن دان بدينهم وهم من غير بني إسرائيل ، فلم يعن بهذه الآية ، وليس هو ممن يحل أكل ذبائحه ، لأنه ليس ممن أوتي الكتاب من قبل المسلمين . وهذا قول كان محمد بن إدريس الشافعي يقوله حدثنا بذلك عنه الربيع ويتأول في ذلك قول من كره ذبائح نصارى العرب من الصحابة والتابعين .

ذكر من حرم ذبائح نصارى العرب .

11230 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن محمد ، عن عبيدة قال : قال علي رضوان الله عليه : لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب ، فإنهم إنما يتمسكون من النصرانية بشرب الخمر .

11231 - حدثنا يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا هشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، عن علي قال : لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب ، فإنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلا بشرب الخمر .

11232 - حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا عبد الله بن بكر قال : حدثنا هشام ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة قال : سألت عليا عن ذبائح نصارى العرب ، فقال : لا تؤكل ذبائحهم ، فإنهم لم يتعلقوا من دينهم إلا بشرب الخمر .

11233 - حدثني علي بن سعيد الكندي قال : حدثنا علي بن عابس ، [ ص: 576 ] عن عطاء بن السائب ، عن أبي البختري قال : نهانا علي عن ذبائح نصارى العرب .

11234 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي حمزة القصاب قال : سمعت محمد بن علي يحدث ، عن علي : أنه كان يكره ذبائح نصارى بني تغلب .

11235 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لا تأكلوا ذبائح نصارى العرب ، وذبائح نصارى أرمينية .

قال أبو جعفر : وهذه الأخبار عن علي رضوان الله عليه ، إنما تدل على أنه كان ينهى عن ذبائح نصارى بني تغلب ، من أجل أنهم ليسوا على النصرانية ، لتركهم تحليل ما تحلل النصارى ، وتحريم ما تحرم ، غير الخمر . ومن كان منتحلا ملة هو غير متمسك منها بشيء فهو إلى البراءة منها أقرب منه إلى اللحاق بها وبأهلها . فلذلك نهى علي عن أكل ذبائح نصارى بني تغلب ، لا من أجل أنهم ليسوا من بني إسرائيل .

فإذ كان ذلك كذلك ، وكان إجماعا من الحجة أن لا بأس بذبيحة كل نصراني ويهودي دان دين النصراني أو اليهودي فأحل ما أحلوا ، وحرم ما حرموا ، [ ص: 577 ] من بني إسرائيل كان أو من غيرهم فبين خطأ ما قال الشافعي في ذلك ، وتأويله الذي تأوله في قوله : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، أنه ذبائح الذين أوتوا الكتاب التوراة والإنجيل من بني إسرائيل وصواب ما خالف تأويله ذلك ، وقول من قال : إن كل يهودي ونصراني فحلال ذبيحته ، من أي أجناس بني آدم كان .

وأما"الطعام" الذي قال الله : " وطعام الذين أوتوا الكتاب " ، فإنه الذبائح .

وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

11236 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، قال : الذبائح .

11237 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد في قوله : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، قال : ذبائحهم .

11238 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

11239 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو نعيم وقبيصة قالا : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

11240 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي ، عن أبي سنان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

[ ص: 578 ]

11241 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

11242 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، قال : ذبيحة أهل الكتاب .

11243 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، قال : ذبائحهم .

11244 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، بمثله .

11245 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .

11246 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .

11247 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو نعيم وقبيصة قالا حدثنا سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .

11248 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، قال : ذبائحهم .

11249 - حدثني المثنى قال : حدثنا المعلى بن أسد قال : حدثنا خالد ، عن يونس ، عن الحسن ، مثله .

[ ص: 579 ]

11250 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، أي : ذبائحهم .

11251 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، أما طعامهم ، فهو الذبائح .

11252 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، قال : أحل الله لنا طعامهم ونساءهم .

11253 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : أما قوله : "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم" ، فإنه أحل لنا طعامهم ونساءهم .

11254 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سألته يعني ابن زيد عما ذبح للكنائس وسمي عليها ، فقال : أحل الله لنا طعام أهل الكتاب ، ولم يستثن منه شيئا .

11255 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني معاوية ، عن أبي الزاهرية حدير بن كريب ، عن أبي الأسود ، عن عمير بن الأسود : أنه سأل أبا الدرداء عن كبش ذبح لكنيسة يقال لها"جرجس" ، أهدوه لها ، أنأكل منه ؟ فقال أبو الدرداء : اللهم عفوا! إنما هم أهل كتاب ، طعامهم حل لنا ، وطعامنا حل لهم! وأمره بأكله .

[ ص: 580 ]

وأما قوله : "وطعامكم حل لهم" ، فإنه يعني : ذبائحكم ، أيها المؤمنون ، حل لأهل الكتاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية