[ ص: 581 ] القول في تأويل قوله (
والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن )
قال
أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "
والمحصنات من المؤمنات " ، أحل لكم ، أيها المؤمنون ، المحصنات من المؤمنات وهن الحرائر منهن أن تنكحوهن " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، يعني : والحرائر من الذين أعطوا الكتاب وهم
اليهود والنصارى الذين دانوا بما في التوراة والإنجيل من قبلكم ، أيها المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم من العرب وسائر الناس ، أن تنكحوهن أيضا "
إذا آتيتموهن أجورهن " ، يعني : إذا أعطيتم من نكحتم من محصناتكم ومحصناتهم "أجورهن" ، وهي مهورهن .
واختلف أهل التأويل في المحصنات اللاتي عناهن الله عز ذكره بقوله : "
والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " .
فقال بعضهم : عنى بذلك الحرائر خاصة ، فاجرة كانت أو عفيفة . وأجاز قائلو هذه المقالة نكاح الحرة ، مؤمنة كانت أو كتابية من
اليهود والنصارى ، من أي أجناس الناس كانت بعد أن تكون كتابية ، فاجرة كانت أو عفيفة .
[ ص: 582 ] وحرموا إماء أهل الكتاب أن يتزوجن بكل حال لأن الله جل ثناؤه شرط من نكاح الإماء الإيمان بقوله : (
ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) ، [ سورة النساء : 25 ] .
ذكر من قال ذلك :
11256 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
أبو داود ، عن
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب " ، قال : من الحرائر .
11257 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، قال : من الحرائر .
11258 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب : أن رجلا طلق امرأته وخطبت إليه أخته ، وكانت قد أحدثت ، فأتى
عمر فذكر ذلك له منها ، فقال
عمر : ما رأيت منها ؟ قال : ما رأيت منها إلا خيرا! فقال : زوجها ولا تخبر .
11259 - حدثنا
ابن أبي الشوارب قال : حدثنا
عبد الواحد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11814سليمان الشيباني قال : حدثنا
عامر قال : زنت امرأة منا من
همدان ، قال : فجلدها مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد ثم تابت . فأتوا
عمر فقالوا :
[ ص: 583 ] نزوجها ، وبئس ما كان من أمرها! قال
عمر : لئن بلغني أنكم ذكرتم شيئا من ذلك ، لأعاقبنكم عقوبة شديدة .
11260 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : حدثنا
محمد بن جعفر قال : حدثنا
شعبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب : أن رجلا أراد أن يزوج أخته ، فقالت : إني أخشى أن أفضح أبي ، فقد بغيت! فأتى
عمر ، فقال : أليس قد تابت ؟ قال : بلى! قال : فزوجها .
11261 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : حدثنا
أبو داود قال : حدثنا
شعبة ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
الشعبي : أن
نبيشة ، امرأة من
همدان ، بغت ، فأرادت أن تذبح نفسها ، قال : فأدركوها ، فداووها فبرئت ، فذكروا ذلك
لعمر ، فقال : انكحوها نكاح العفيفة
المسلمة .
11262 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : حدثنا
عبد الوهاب قال : حدثنا
داود ، عن
عامر : أن رجلا من أهل اليمن أصابت أخته فاحشة ، فأمرت الشفرة على أوداجها ، فأدركت ، فدووي جرحها حتى برئت . ثم إن عمها انتقل بأهله حتى قدم
المدينة ، فقرأت القرآن ونسكت ، حتى كانت من أنسك نسائهم . فخطبت إلى عمها ، وكان يكره أن يدلسها ، ويكره أن يفشي على ابنة أخيه ، فأتى
عمر فذكر ذلك له ، فقال
عمر : لو أفشيت عليها لعاقبتك! إذا أتاك رجل صالح ترضاه فزوجها إياه .
11263 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : حدثنا
عبد الأعلى قال : حدثنا
داود ، عن
عامر : أن جارية
باليمن يقال لها
: "نبيشة" ، أصابت فاحشة ، فذكر نحوه .
11264 - حدثنا
تميم بن المنتصر قال : أخبرنا
يزيد قال : أخبرنا
إسماعيل ، عن
عامر قال : أتى رجل
عمر فقال : إن ابنة لي كانت وئدت في الجاهلية ، فاستخرجتها قبل أن تموت ، فأدركت الإسلام ، فلما أسلمت أصابت حدا من
[ ص: 584 ] حدود الله ، فعمدت إلى الشفرة لتذبح بها نفسها ، فأدركتها وقد قطعت بعض أوداجها ، فداويتها حتى برئت ، ثم إنها أقبلت بتوبة حسنة ، فهي تخطب إلي يا أمير المؤمنين ، فأخبر من شأنها بالذي كان ؟ فقال
عمر : أتخبر بشأنها ؟ تعمد إلى ما ستره الله فتبديه! والله لئن أخبرت بشأنها أحدا من الناس لأجعلنك نكالا لأهل الأمصار ، بل أنكحها بنكاح العفيفة المسلمة .
11265 - حدثنا
أحمد بن منيع قال : حدثنا
مروان ، عن
إسماعيل ، عن
الشعبي قال : جاء رجل إلى
عمر ، فذكر نحوه .
11266 - حدثنا
مجاهد قال : حدثنا
يزيد قال : أخبرنا
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير : أن رجلا خطب من رجل أخته ، فأخبره أنها قد أحدثت . فبلغ ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فضرب الرجل وقال : ما لك والخبر! أنكح واسكت .
11267 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
سليمان بن حرب قال : حدثنا
أبو هلال ، عن
قتادة ، عن
الحسن قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : لقد هممت أن لا أدع أحدا أصاب فاحشة في الإسلام أن يتزوج محصنة! فقال له
أبي بن كعب : يا أمير المؤمنين ، الشرك أعظم من ذلك ، وقد يقبل منه إذا تاب!
وقال آخرون : إنما عنى الله بقوله : "
والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، العفائف من الفريقين ، إماء كن أو حرائر . فأجاز قائلو هذه المقالة
نكاح إماء أهل الكتاب الدائنات دينهم بهذه الآية ،
[ ص: 585 ] وحرموا البغايا من المؤمنات وأهل الكتاب .
ذكر من قال ذلك :
11268 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن إدريس ، عن
ليث ، عن
مجاهد في قوله : "
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، قال : العفائف .
11269 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
جرير ، عن
ليث ، عن
مجاهد ، مثله .
11270 - حدثنا
ابن حميد nindex.php?page=showalam&ids=13631وابن وكيع قالا حدثنا
جرير ، عن
مطرف ، عن
عامر : "
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، قال : إحصان اليهودية والنصرانية : أن لا تزني ، وأن تغتسل من الجنابة .
11271 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
ابن فضيل ، عن
مطرف ، عن
عامر : "
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، قال : إحصان اليهودية والنصرانية : أن تغتسل من الجنابة ، وأن تحصن فرجها .
11272 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
حكام ، عن
عنبسة ، عن
مطرف ، عن رجل ، عن
الشعبي في قوله : "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" ، قال : إحصان اليهودية والنصرانية : أن لا تزني ، وأن تغتسل من الجنابة .
11273 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16715عمرو بن عون قال : أخبرنا
هشيم ، عن
مطرف ، عن
الشعبي في قوله : "
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، قال : إحصانها : أن تغتسل من الجنابة ، وأن تحصن فرجها من الزنا .
11274 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
معلى بن أسد قال : حدثنا
خالد ، قال : أخبرنا
مطرف ، عن
عامر ، بنحوه .
11275 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
سويد قال : أخبرنا
ابن المبارك قال : سمعت
سفيان يقول في قوله : (
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) ، قال : العفائف .
[ ص: 586 ]
11276 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن مفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، قال : أما"المحصنات" ، فهن العفائف .
11277 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
عبد الأعلى قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : أن امرأة اتخذت مملوكها وقالت : تأولت كتاب الله : "وما ملكت أيمانكم" ، قال : فأتي بها
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فقال له ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : تأولت آية من كتاب الله على غير وجهها . قال فغرب العبد وجز رأسه . وقال : أنت بعده حرام على كل مسلم .
11278 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
محمد بن جعفر قال : حدثنا
شعبة ، عن
إبراهيم أنه قال : في التي تزني قبل أن يدخل بها قال : ليس لها صداق ، ويفرق بينهما .
11279 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن إدريس قال : حدثنا
أشعث ، عن
الشعبي ، في البكر تفجر قال : تضرب مائة سوط ، وتنفى سنة ، وترد على زوجها ما أخذت منه .
11280 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن إدريس قال : حدثنا
أشعث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير ، عن
جابر ، مثل ذلك .
11281 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن إدريس قال : أخبرنا
أشعث عن
الحسن ، مثل ذلك .
[ ص: 587 ]
11282 - حدثنا
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
يونس : أن
الحسن كان يقول : إذا رأى الرجل من امرأته فاحشة فاستيقن ، فإنه لا يمسكها .
11283 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
أبي ميسرة قال : مملوكات أهل الكتاب بمنزلة حرائرهم .
ثم اختلف أهل التأويل في حكم قوله عز ذكره : "
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، أعام أم خاص ؟
فقال بعضهم : هو عام في العفائف منهن ؛ لأن "المحصنات" ، العفائف . وللمسلم أن يتزوج كل حرة وأمة كتابية ، حربية كانت أو ذمية .
واعتلوا في ذلك بظاهر قوله تعالى : "
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، وأن المعني بهن العفائف ، كائنة من كانت منهن . وهذا قول من قال : عنى ب "المحصنات" في هذا الموضع : العفائف .
وقال آخرون : بل اللواتي عنى بقوله جل ثناؤه : "
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، الحرائر منهن ، والآية عامة في جميعهن . فنكاح جميع الحرائر اليهود والنصارى جائز ، حربيات كن أو ذميات ، من أي أجناس اليهود والنصارى كن . وهذا قول جماعة من المتقدمين والمتأخرين .
ذكر من قال ذلك :
11284 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
ابن أبي عدي ، عن
سعيد ، عن
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب والحسن : أنهما كانا لا يريان بأسا بنكاح نساء اليهود والنصارى ، وقالا أحله الله على علم .
وقال آخرون منهم : بل عنى بذلك نكاح بني إسرائيل الكتابيات منهن
[ ص: 588 ] خاصة ، دون سائر أجناس الأمم الذين دانوا باليهودية والنصرانية . وذلك قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن قال بقوله .
وقال آخرون : بل ذلك معني به نساء أهل الكتاب الذين لهم من المسلمين ذمة وعهد . فأما أهل الحرب ، فإن نساءهم حرام على المسلمين .
ذكر من قال ذلك :
11285 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
محمد بن عقبة ، قال : حدثنا
الفزاري ، عن
سفيان بن حسين ، عن
الحكم ، عن
مقسم ، عن
ابن عباس قال : من نساء أهل الكتاب من يحل لنا ، ومنهم من لا يحل لنا ، ثم قرأ : (
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية ) ، [ سورة التوبة : 29 ] . فمن أعطى الجزية حل لنا نساؤه ، ومن لم يعط الجزية لم يحل لنا نساؤه قال
الحكم : فذكرت ذلك
لإبراهيم ، فأعجبه .
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، قول من قال :
[ ص: 589 ] عنى بقوله : "
والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، حرائر المؤمنين وأهل الكتاب . لأن الله جل ثناؤه لم يأذن بنكاح الإماء الأحرار في الحال التي أباحهن لهم ، إلا أن يكن مؤمنات ، فقال عز ذكره : (
ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) [ سورة النساء : 25 ] ، فلم يبح منهن إلا المؤمنات . فلو كان مرادا بقوله : "والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب " ، العفائف ، لدخل العفائف من إمائهم في الإباحة ، وخرج منها غير العفائف من حرائرهم وحرائر أهل الإيمان . وقد أحل الله لنا حرائر المؤمنات ، وإن كن قد أتين بفاحشة بقوله : (
وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ) [ سورة النور : 32 ] . وقد دللنا على فساد قول من قال : "لا يحل نكاح من أتى الفاحشة من نساء المؤمنين وأهل الكتاب للمؤمنين" ، في موضع غير هذا ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
فنكاح حرائر المسلمين وأهل الكتاب حلال للمؤمنين ، كن قد أتين بفاحشة أو لم يأتين بفاحشة ، ذمية كانت أو حربية ، بعد أن تكون بموضع لا يخاف الناكح فيه على ولده أن يجبر على الكفر ، بظاهر قول الله جل وعز : "والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" .
فأما قول الذي قال : "عنى بذلك نساء
بني إسرائيل ، الكتابيات منهن خاصة" فقول لا يوجب التشاغل بالبيان عنه ، لشذوذه والخروج عما عليه علماء الأمة ، من تحليل نساء جميع
اليهود والنصارى . وقد دللنا على فساد قول قائل
[ ص: 590 ] هذه المقالة من جهة القياس في غير هذا الموضع بما فيه الكفاية ، فكرهنا إعادته .
وأما قوله : "
إذا آتيتموهن أجورهن " ، فإن"الأجر" : العوض الذي يبذله الزوج للمرأة للاستمتاع بها ، وهو المهر . كما : -
11286 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس في قوله : "آتيتموهن أجورهن" ، يعني : مهورهن .