القول في
تأويل قوله عز ذكره ( اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ( 8 ) )
قال
أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "اعدلوا" أيها المؤمنون ، على كل أحد من الناس وليا لكم كان أو عدوا ، فاحملوهم على ما أمرتكم أن تحملوهم عليه من أحكامي ، ولا تجوروا بأحد منهم عنه .
وأما قوله : "هو أقرب للتقوى" فإنه يعني بقوله : "هو" العدل عليهم أقرب لكم أيها المؤمنون إلى التقوى ، يعني : إلى أن تكونوا عند الله باستعمالكم إياه من أهل التقوى ، وهم أهل الخوف والحذر من الله أن يخالفوه في شيء من أمره ، أو يأتوا شيئا من معاصيه .
وإنما وصف جل ثناؤه "العدل" بما وصفه به من أنه "أقرب للتقوى" من الجور ، لأن من كان عادلا كان لله بعدله مطيعا ، ومن كان لله مطيعا ، كان لا شك
[ ص: 97 ] من أهل التقوى ، ومن كان جائرا كان لله عاصيا ، ومن كان لله عاصيا ، كان بعيدا من تقواه .
وإنما كنى بقوله : "هو أقرب" عن الفعل . والعرب تكني عن الأفعال إذا كنت عنها ب "هو" وب "ذلك" ، كما قال جل ثناؤه : (
فهو خير لكم ) [ سورة البقرة : 271 ] و (
ذلكم أزكى لكم ) [ سورة البقرة : 232 ] . ولو لم يكن في الكلام "هو" لكان "أقرب" نصبا ، ولقيل : "اعدلوا أقرب للتقوى" ، كما قيل : (
انتهوا خيرا لكم ) [ سورة النساء : 171 ] .
وأما قوله : "
واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " ، فإنه يعني : واحذروا أيها المؤمنون ، أن تجوروا في عباده فتجاوزوا فيهم حكمه وقضاءه الذين بين لكم ، فيحل بكم عقوبته ، وتستوجبوا منه أليم نكاله "إن الله خبير بما تعملون" ، يقول : إن الله ذو خبرة وعلم بما تعملون أيها المؤمنون فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه ، من عمل به أو خلاف له ، محص ذلكم عليكم كله ، حتى يجازيكم به جزاءكم ، المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، فاتقوا أن تسيئوا .