[ ص: 569 ] القول في
تأويل قوله تعالى ذكره : ( وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ( 42 ) )
قال
أبو جعفر : وفي قوله : "
وتكتموا الحق " وجهان من التأويل :
أحدهما : أن يكون الله جل ثناؤه نهاهم عن أن يكتموا الحق ، كما نهاهم أن يلبسوا الحق بالباطل . فيكون تأويل ذلك حينئذ : ولا تلبسوا الحق بالباطل ولا تكتموا الحق . ويكون قوله : " وتكتموا " عند ذلك مجزوما بما جزم به " تلبسوا " عطفا عليه .
والوجه الآخر منهما : أن يكون النهي من الله جل ثناؤه لهم عن أن يلبسوا الحق بالباطل ، ويكون قوله : "
وتكتموا الحق " خبرا منه عنهم بكتمانهم الحق الذي يعلمونه ، فيكون قوله : " وتكتموا " حينئذ منصوبا لانصرافه عن معنى قوله : "
ولا تلبسوا الحق بالباطل " إذ كان قوله : " ولا تلبسوا " نهيا ، وقوله "
وتكتموا الحق " خبرا معطوفا عليه ، غير جائز أن يعاد عليه ما عمل في قوله : " تلبسوا " من الحرف الجازم . وذلك هو المعنى الذي يسميه النحويون صرفا . ونظير ذلك في المعنى والإعراب قول الشاعر :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
[ ص: 570 ]
فنصب " تأتي " على التأويل الذي قلنا في قوله : " وتكتموا " لأنه لم يرد : لا تنه عن خلق ولا تأت مثله ، وإنما معناه : لا تنه عن خلق وأنت تأتي مثله ، فكان الأول نهيا ، والثاني خبرا ، فنصب الخبر إذ عطفه على غير شكله .
فأما الوجه الأول من هذين الوجهين اللذين ذكرنا أن الآية تحتملهما ، فهو على مذهب
ابن عباس الذي :
827 - حدثنا به
أبو كريب ، قال : حدثنا
عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا
بشر بن عمارة ، عن
أبي روق ، عن
الضحاك ، عن
ابن عباس ، قوله : "
وتكتموا الحق " يقول : ولا تكتموا الحق وأنتم تعلمون .
828 - وحدثنا
ابن حميد ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13655سلمة بن الفضل ، عن
ابن إسحاق ، عن
محمد بن أبي محمد ، عن
عكرمة أو عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : "
وتكتموا الحق " أي ولا تكتموا الحق . .
وأما الوجه الثاني منهما ، فهو على مذهب
أبي العالية ومجاهد .
829 - حدثني
المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا
آدم ، قال : حدثنا
أبو جعفر ، عن
الربيع ، عن
أبي العالية : "
وتكتموا الحق وأنتم تعلمون " قال : كتموا بعث
محمد صلى الله عليه وسلم .
830 - وحدثنا
محمد بن عمرو ، قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى بن ميمون ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد نحوه .
831 - وحدثني
المثنى ، قال : حدثنا
أبو حذيفة ، قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد نحوه .
[ ص: 571 ]
وأما تأويل الحق الذي كتموه وهم يعلمونه ، فهو ما :
832 - حدثنا به
ابن حميد ، قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن
عكرمة ، أو عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : "
وتكتموا الحق " يقول : لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وما جاء به ، وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم .
833 - وحدثنا
أبو كريب ، قال : حدثنا
عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا
بشر بن عمارة ، عن
أبي روق ، عن
الضحاك ، عن
ابن عباس : "
وتكتموا الحق " يقول : إنكم قد علمتم أن
محمدا رسول الله ، فنهاهم عن ذلك .
834 - وحدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم ، قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله : "
وتكتموا الحق وأنتم تعلمون " قال : يكتم أهل الكتاب
محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .
835 - وحدثني
المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا
أبو حذيفة ، قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
836 - وحدثني
موسى بن هارون ، قال : حدثنا
عمرو بن حماد ، قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
وتكتموا الحق وأنتم تعلمون " قال : الحق هو
محمد صلى الله عليه وسلم .
837 - وحدثني
المثنى ، قال : حدثنا
آدم ، قال : حدثنا
أبو جعفر ، عن
[ ص: 572 ] الربيع ، عن
أبي العالية : "
وتكتموا الحق وأنتم تعلمون " قال : كتموا بعث
محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم .
838 - وحدثنا
القاسم ، قال : حدثنا
الحسين ، قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد : تكتمون محمدا وأنتم تعلمون ، وأنتم تجدونه عندكم في التوراة والإنجيل .
فتأويل الآية إذا : ولا تخلطوا على الناس - أيها الأحبار من أهل الكتاب - في أمر
محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند ربه ، وتزعموا أنه مبعوث إلى بعض أجناس الأمم دون بعض ، أو تنافقوا في أمره ، وقد علمتم أنه مبعوث إلى جميعكم وجميع الأمم غيركم ، فتخلطوا بذلك الصدق بالكذب ، وتكتموا به ما تجدونه في كتابكم من نعته وصفته ، وأنه رسولي إلى الناس كافة ، وأنتم تعلمون أنه رسولي ، وأن ما جاء به إليكم فمن عندي ، وتعرفون أن من عهدي - الذي أخذت عليكم في كتابكم - الإيمان به وبما جاء به والتصديق به .