القول في
تأويل قوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ( 43 ) )
قال
أبو جعفر : ذكر أن أحبار اليهود والمنافقين كانوا يأمرون الناس بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولا يفعلونه ، فأمرهم الله بإقام الصلاة مع المسلمين المصدقين بمحمد وبما جاء به ، وإيتاء زكاة أموالهم معهم ، وأن يخضعوا لله ولرسوله كما خضعوا .
839 - كما حدثت عن
عمار بن الحسن ، قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن
[ ص: 573 ] أبيه ، عن
قتادة ، في قوله : "
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " قال : فريضتان واجبتان ، فأدوهما إلى الله .
وقد بينا معنى إقامة الصلاة فيما مضى من كتابنا هذا ، فكرهنا إعادته .
أما إيتاء الزكاة ، فهو أداء الصدقة المفروضة . وأصل الزكاة ، نماء المال وتثميره وزيادته . ومن ذلك قيل : زكا الزرع ، إذا كثر ما أخرج الله منه . وزكت النفقة ، إذا كثرت . وقيل زكا الفرد ، إذا صار زوجا بزيادة الزائد عليه حتى صار به شفعا ، كما قال الشاعر :
كانوا خسا أو زكا من دون أربعة لم يخلقوا ، وجدود الناس تعتلج
وقال آخر :
فلا خسا عديده ولا زكا كما شرار البقل أطراف السفا
قال
أبو جعفر : السفا شوك البهمى ، والبهمى الذي يكون مدورا في السلاء .
[ ص: 574 ]
يعني بقوله : " ولا زكا " لم يصيرهم شفعا من وتر ، بحدوثه فيهم .
وإنما قيل للزكاة زكاة ، وهي مال يخرج من مال ، لتثمير الله - بإخراجها مما أخرجت منه - ما بقي عند رب المال من ماله . وقد يحتمل أن تكون سميت زكاة ، لأنها تطهير لما بقي من مال الرجل ، وتخليص له من أن تكون فيه مظلمة لأهل السهمان ، كما قال جل ثناؤه مخبرا عن نبيه
موسى صلوات الله عليه : (
أقتلت نفسا زكية ) [ سورة الكهف : 74 ] ، يعني بريئة من الذنوب طاهرة . وكما يقال للرجل : هو عدل زكي لذلك المعنى . وهذا الوجه أعجب إلي - في تأويل زكاة المال - من الوجه الأول ، وإن كان الأول مقبولا في تأويلها .
وإيتاؤها : إعطاؤها أهلها .
وأما تأويل الركوع ، فهو الخضوع لله بالطاعة . يقال منه : ركع فلان لكذا وكذا ، إذا خضع له ، ومنه قول الشاعر :
بيعت بكسر لئيم واستغاث بها من الهزال أبوها بعد ما ركعا
[ ص: 575 ]
يعني : بعد ما خضع من شدة الجهد والحاجة .
قال
أبو جعفر : وهذا أمر من الله جل ثناؤه - لمن ذكر من أحبار بني إسرائيل ومنافقيها - بالإنابة والتوبة إليه ، وبإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، والدخول مع المسلمين في الإسلام ، والخضوع له بالطاعة ، ونهي منه لهم عن كتمان ما قد علموه من نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم ، بعد تظاهر حججه عليهم ، بما قد وصفنا قبل فيما مضى من كتابنا هذا ، وبعد الإعذار إليهم والإنذار ، وبعد تذكيرهم نعمه إليهم وإلى أسلافهم تعطفا منه بذلك عليهم ، وإبلاغا في المعذرة .