القول في تأويل قوله عز ذكره (
وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم )
قال
أبو جعفر : وهذا خبر من الله جل وعز عن قوم من
اليهود والنصارى أنهم قالوا هذا القول .
وقد ذكر عن
ابن عباس تسمية الذين قالوا ذلك من
اليهود .
11613 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير ، عن
محمد بن إسحاق قال : حدثني
محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني
سعيد بن جبير أو
عكرمة ، عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضاء وبحري بن عمرو ، وشأس بن عدي ، فكلموه ، فكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته ، فقالوا : ما تخوفنا ، [ ص: 151 ] يا محمد !! نحن والله أبناء الله وأحباؤه!! كقول النصارى ، فأنزل الله جل وعز فيهم : "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه" ، إلى آخر الآية .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي يقول في ذلك بما :
11614 - حدثني
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن مفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه " ، أما "أبناء الله" ، فإنهم قالوا : إن الله أوحى إلى
إسرائيل أن ولدا من ولدك أدخلهم النار ، فيكونون فيها أربعين يوما حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم ، ثم ينادي مناد : أن أخرجوا كل مختون من ولد إسرائيل ، فأخرجهم . فذلك قوله : (
لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ) [ سورة آل عمران : 24 ] . وأما النصارى ، فإن فريقا منهم قال
للمسيح : ابن الله .
والعرب قد تخرج الخبر إذا افتخرت مخرج الخبر عن الجماعة ، وإن كان ما افتخرت به من فعل واحد منهم ، فتقول : "نحن الأجواد الكرام" ، وإنما الجواد فيهم واحد منهم ، وغير المتكلم الفاعل ذلك ، كما قال
جرير :
ندسنا أبا مندوسة القين بالقنا ومار دم من جار بيبة ناقع
[ ص: 152 ] فقال : "ندسنا" ، وإنما النادس رجل من قوم
جرير غيره ، فأخرج الخبر مخرج الخبر عن جماعة هو أحدهم . فكذا أخبر الله عز ذكره عن
النصارى أنها قالت ذلك ، على هذا الوجه إن شاء الله .
وقوله : "وأحباؤه" ، وهو جمع "حبيب" .
يقول الله لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : "قل" لهؤلاء الكذبة المفترين على ربهم "فلم يعذبكم" ربكم ، يقول : فلأي شيء يعذبكم ربكم بذنوبكم ، إن كان الأمر كما زعمتم أنكم أبناؤه وأحباؤه ، فإن الحبيب لا يعذب حبيبه ، وأنتم مقرون أنه معذبكم؟ وذلك أن
اليهود قالت : إن الله معذبنا أربعين يوما عدد الأيام التي عبدنا فيها العجل ، ثم يخرجنا جميعا منها ، فقال الله
لمحمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم : إن كنتم كما تقولون أبناء الله وأحباؤه ، فلم يعذبكم بذنوبكم؟ يعلمهم عز ذكره أنهم أهل فرية وكذب على الله جل وعز .
القول في
تأويل قوله جل ثناؤه ( بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء )
قال
أبو جعفر : يقول جل ثناؤه لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم ، قل لهم : ليس الأمر كما زعمتم أنكم أبناء الله وأحباؤه "بل أنتم بشر ممن خلق" ، يقول : خلق من بني آدم ، خلقكم الله مثل سائر بني آدم ، إن أحسنتم جوزيتم بإحسانكم ،
[ ص: 153 ] كما سائر بني آدم مجزيون بإحسانهم ، وإن أسأتم جوزيتم بإساءتكم ، كما غيركم مجزي بها ، ليس لكم عند الله إلا ما لغيركم من خلقه ، فإنه يغفر لمن يشاء من أهل الإيمان به ذنوبه ، فيصفح عنه بفضله ، ويسترها عليه برحمته ، فلا يعاقبه بها .
وقد بينا معنى"المغفرة" ، في موضع غير هذا بشواهده ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . .
"ويعذب من يشاء" يقول : ويعدل على من يشاء من خلقه فيعاقبه على ذنوبه ، ويفضحه بها على رءوس الأشهاد فلا يسترها عليه .
وإنما هذا من الله عز وجل وعيد لهؤلاء
اليهود ، والنصارى المتكلين على منازل سلفهم الخيار عند الله ، الذين فضلهم الله جل وعز بطاعتهم إياه ، واجتباهم لمسارعتهم إلى رضاه ، واصطبارهم على ما نابهم فيه . يقول لهم : لا تغتروا بمكان أولئك مني ومنازلهم عندي ، فإنهم إنما نالوا ما نالوا مني بالطاعة لي ، وإيثار رضاي على محابهم لا بالأماني ، فجدوا في طاعتي ، وانتهوا إلى أمري ، وانزجروا عما نهيتهم عنه ، فإني إنما أغفر ذنوب من أشاء أن أغفر ذنوبه من أهل طاعتي ، وأعذب من أشاء تعذيبه من أهل معصيتي لا لمن قربت زلفة آبائه مني ، وهو لي عدو ، ولأمري ونهيي مخالف .
[ ص: 154 ]
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي يقول في ذلك بما : -
11615 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن مفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قوله : "
يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " ، يقول : يهدي منكم من يشاء في الدنيا فيغفر له ، ويميت من يشاء منكم على كفره فيعذبه .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه (
ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير ( 18 ) )
قال
أبو جعفر يقول : لله تدبير ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما ، وتصريفه ، وبيده أمره ، وله ملكه ، يصرفه كيف يشاء ، ويدبره كيف أحب ، لا شريك له في شيء منه ، ولا لأحد معه فيه ملك . فاعلموا أيها القائلون : "نحن أبناء الله وأحباؤه" ، أنه إن عذبكم بذنوبكم ، لم يكن لكم منه مانع ، ولا لكم عنه دافع ، لأنه لا نسب بين أحد وبينه فيحابيه لسبب ذلك ، ولا لأحد في شيء دونه ملك ، فيحول بينه وبينه إن أراد تعذيبه بذنوبه ، وإليه مصير كل شيء ومرجعه . فاتقوا أيها المفترون عقابه إياكم على ذنوبكم بعد مرجعكم إليه ، ولا تغتروا بالأماني وفضائل الآباء والأسلاف .