القول في تأويل قوله عز ذكره (
قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين )
قال
أبو جعفر : وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن جواب قوم
موسى عليه السلام ، إذ أمرهم بدخول الأرض المقدسة : أنهم أبوا عليه إجابته إلى ما أمرهم به من ذلك ، واعتلوا عليه في ذلك بأن قالوا ، إن في الأرض المقدسة التي تأمرنا بدخولها ، قوما جبارين لا طاقة لنا بحربهم ، ولا قوة لنا بهم . وسموهم "جبارين" ، لأنهم كانوا لشدة بطشهم وعظيم خلقهم ، فيما ذكر لنا ، قد قهروا سائر الأمم غيرهم .
[ ص: 172 ]
وأصل"الجبار" ، المصلح أمر نفسه وأمر غيره ، ثم استعمل في كل من اجتر نفعا إلى نفسه بحق أو باطل طلب الإصلاح لها ، حتى قيل للمتعدي إلى ما ليس له بغيا على الناس ، وقهرا لهم ، وعتوا على ربه"جبار" ، وإنما هو"فعال" من قولهم : "جبر فلان هذا الكسر" ، إذا أصلحه ولأمه ، ومنه قول الراجز :
قد جبر الدين الإله فجبر وعور الرحمن من ولى العور
يريد : قد أصلح الدين الإله فصلح . ومن أسماء الله تعالى ذكره "الجبار" ، لأنه المصلح أمر عباده ، القاهر لهم بقدرته .
ومما ذكرته من عظم خلقهم ما : -
11656 - حدثني به
موسى بن هارون قال : حدثنا
عمرو بن حماد قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في قصة ذكرها من أمر
موسى وبني إسرائيل ، قال : ثم أمرهم بالسير إلى
أريحا وهي أرض
بيت المقدس فساروا ، حتى إذا كانوا قريبا منهم ، بعث
موسى اثني عشر نقيبا من جميع أسباط بني إسرائيل ، فساروا يريدون أن يأتوه بخبر الجبارين ، فلقيهم رجل من الجبارين ، يقال له : "
عاج " ، فأخذ الاثني عشر فجعلهم في حجزته ، وعلى رأسه حملة حطب ، وانطلق بهم
[ ص: 173 ] إلى امرأته فقال : انظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا!! فطرحهم بين يديها ، فقال : ألا أطحنهم برجلي؟ فقالت امرأته : لا بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا! ففعل ذلك .
11657 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=14316عبد الكريم بن الهيثم قال : حدثنا
إبراهيم بن بشار قال : حدثنا
سفيان قال : قال
أبو سعيد ، قال
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : أمر
موسى أن يدخل مدينة الجبارين . قال : فسار
موسى بمن معه حتى نزل قريبا من المدينة وهي
أريحاء فبعث إليهم اثني عشر عينا ، من كل سبط منهم عينا ، ليأتوه بخبر القوم . قال : فدخلوا المدينة ، فرأوا أمرا عظيما من هيئتهم وجثثهم وعظمهم ، فدخلوا حائطا لبعضهم ، فجاء صاحب الحائط ليجتني الثمار من حائطه ، فجعل يجتني الثمار وينظر إلى آثارهم ، وتتبعهم . فكلما أصاب واحدا منهم أخذه فجعله في كمه مع الفاكهة ، وذهب إلى ملكهم فنثرهم بين يديه ، فقال الملك : قد رأيتم شأننا وأمرنا ، اذهبوا فأخبروا صاحبكم . قال : فرجعوا إلى
موسى فأخبروه بما عاينوا من أمرهم .
11658 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة في قوله : "
إن فيها قوما جبارين " ، ذكر لنا أنهم كانت لهم أجسام وخلق ليست لغيرهم .
11659 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن
أبيه ، عن
الربيع قال : إن
موسى عليه السلام قال لقومه : "إني سأبعث رجالا يأتونني بخبرهم" وإنه أخذ من كل سبط رجلا فكانوا اثني عشر نقيبا ، فقال : "سيروا إليهم وحدثوني حديثهم وما أمرهم ، ولا تخافوا ، إن الله معكم ما أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسله ، وعزرتموهم ، وأقرضتم الله قرضا حسنا" وإن القوم ساروا حتى هجموا عليهم ، فرأوا أقواما لهم أجسام عجب عظما
[ ص: 174 ] وقوة ، وإنه فيما ذكر أبصرهم أحد الجبارين ، وهم لا يألون أن يخفوا أنفسهم حين رأوا العجب . فأخذ ذلك الجبار منهم رجالا فأتى رئيسهم ، فألقاهم قدامه ، فعجبوا وضحكوا منهم . فقال قائل منهم : "فإن هؤلاء زعموا أنهم أرادوا غزوكم"!! وأنه لولا ما دفع الله عنهم لقتلوا ، وأنهم رجعوا إلى
موسى عليه السلام فحدثوه العجب .
11660 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله : "اثني عشر نقيبا" من كل سبط من بني إسرائيل رجل ، أرسلهم
موسى إلى الجبارين ، فوجدوهم يدخل في كم أحدهم اثنان منهم ، يلقونهم إلقاء ، ولا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفس بينهم في خشبة ، ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس ، أو أربعة .
11661 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، نحوه .
11662 - حدثني
محمد بن الوزير بن قيس ، عن
أبيه ، عن
جويبر ، عن
الضحاك : "إن فيها قوما جبارين" قال : سفلة لا خلاق لهم .