[ ص: 231 ] القول في تأويل قوله عز ذكره (
من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )
قال
أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "من أجل ذلك" ، من جر ذلك وجريرته وجنايته . يقول : من جر القاتل أخاه من ابني
آدم اللذين اقتصصنا قصتهما الجريرة التي جرها ، وجنايته التي جناها "كتبنا على بني إسرائيل" .
يقال منه : "أجلت هذا الأمر" ، أي : جررته إليه وكسبته ، "آجله له أجلا" ، كقولك : "أخذته أخذا" ، ومن ذلك قول الشاعر :
وأهل خباء صالح ذات بينهم قد احتربوا في عاجل أنا آجله
[ ص: 232 ] يعني بقوله : "أنا آجله" ، أنا الجار ذلك عليه والجاني .
فمعنى الكلام : من جناية ابن آدم القاتل أخاه ظلما ، حكمنا على بني إسرائيل أنه من قتل منهم نفسا ظلما ، بغير نفس قتلت ، فقتل بها قصاصا ، " أو فساد في الأرض " ، يقول : أو قتل منهم نفسا بغير فساد كان منها في الأرض ، فاستحقت بذلك قتلها . وفسادها في الأرض إنما يكون بالحرب لله ولرسوله ، وإخافة السبيل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
11770 - حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ قال : حدثني
عبيد بن سليمان قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : "
من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل " ، يقول : من أجل ابن
آدم الذي قتل أخاه ظلما .
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله جل ثناؤه : "
من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " .
فقال بعضهم : معنى ذلك : ومن قتل نبيا أو إمام عدل ، فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن شد على عضد نبي أو إمام عدل ، فكأنما أحيا الناس جميعا .
ذكر من قال ذلك :
11771 - حدثنا
أبو عمار الحسين بن حريث المروزي قال : حدثنا
الفضل [ ص: 233 ] بن موسى ، عن
الحسين بن واقد ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس في قوله : "
من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، قال : من شد على عضد نبي أو إمام عدل فكأنما أحيا الناس جميعا ، ومن قتل نبيا أو إمام عدل ، فكأنما قتل الناس جميعا .
11772 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني
أبي قال : حدثني
عمي قال : حدثني
أبي ، عن
أبيه ، عن
ابن عباس في قوله : "
من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا " ، يقول : من قتل نفسا واحدة حرمتها ، فهو مثل من قتل الناس جميعا ، " ومن أحياها " ، يقول : من ترك قتل نفس واحدة حرمتها مخافتي ، واستحياها أن يقتلها ، فهو مثل استحياء الناس جميعا يعني بذلك الأنبياء .
وقال آخرون : "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا " ، عند المقتول في الإثم " ومن أحياها " ، فاستنقذها من هلكة " فكأنما أحيا الناس جميعا " ، عند المستنقذ .
ذكر من قال ذلك :
11773 - حدثني
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، فيما ذكر عن
أبي مالك ، وعن
أبي صالح ، عن
ابن عباس ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17058مرة الهمداني ، عن
عبد الله ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : "
من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل [ ص: 234 ] الناس جميعا " ، عند المقتول ، يقول : في الإثم " ومن أحياها " ، فاستنقذها من هلكة " فكأنما أحيا الناس جميعا " ، عند المستنقذ .
وقال آخرون : معنى ذلك : إن قاتل النفس المحرم قتلها ، يصلى النار كما يصلاها لو قتل الناس جميعا "ومن أحياها" ، من سلم من قتلها ، فقد سلم من قتل الناس جميعا .
ذكر من قال ذلك :
11774 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
أبي ، عن
خصيف ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس قال : "
من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، قال : من كف عن قتلها فقد أحياها "ومن قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا " ، قال : ومن أوبقها .
11775 - حدثني
الحارث قال : حدثنا
عبد العزيز قال : حدثنا
سفيان ، عن
خصيف ، عن
مجاهد قال : من أوبق نفسا فكما لو قتل الناس جميعا ، ومن أحياها وسلم من ظلمها فلم يقتلها ، فقد سلم من قتل الناس جميعا .
11776 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
سويد بن نصر ، قال : أخبرنا
ابن المبارك ، عن
شريك ، عن
خصيف ، عن
مجاهد : "فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، لم يقتلها ، وقد سلم منه الناس جميعا ، لم يقتل أحدا .
11777 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
سويد ، قال : أخبرنا
ابن المبارك ، عن
الأوزاعي قال : أخبرنا
عبدة بن أبي لبابة قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا أو : سمعته يسأل عن قوله : " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا " ، قال : لو قتل الناس جميعا ، كان جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب
[ ص: 235 ] الله عليه ولعنه ، وأعد له عذابا عظيما .
11778 - حدثني
المثنى قال : حدثنا ،
سويد قال : أخبرنا
ابن المبارك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قراءة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج ، عن
مجاهد في قوله : "
فكأنما قتل الناس جميعا " ، قال : الذي يقتل النفس المؤمنة متعمدا ، جعل الله جزاءه جهنم ، وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما . يقول : لو قتل الناس جميعا لم يزد على مثل ذلك من العذاب قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال
مجاهد : " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " قال : من لم يقتل أحدا ، فقد استراح الناس منه .
11779 - حدثنا
سفيان قال : حدثنا
يحيى بن يمان ، عن
سفيان ، عن
خصيف ، عن
مجاهد قال : أوبق نفسه .
11780 - حدثنا
سفيان قال : حدثنا
يحيى بن يمان ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد قال : في الإثم .
11780 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
ليث ، عن
مجاهد : "
من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا " ، وقوله : (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ) [ سورة النساء : 93 ] قال : يصير إلى جهنم بقتل المؤمن ، كما أنه لو قتل الناس جميعا لصار إلى جهنم .
11781 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس : "
من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا " قال : هو كما قال ، وقال : "
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، فإحياؤها : لا يقتل نفسا حرمها الله ، فذلك الذي أحيا الناس جميعا ، يعني : أنه من حرم قتلها إلا بحق ، حيي الناس منه جميعا .
[ ص: 236 ]
11782 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
حكام ، عن
عنبسة ، عن
العلاء بن عبد الكريم ، عن
مجاهد : "ومن أحياها" ، قال : ومن حرمها فلم يقتلها .
11783 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
أبي ، عن
العلاء قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا يقول : "
من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، قال : من كف عن قتلها فقد أحياها .
11784 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله عز وجل : "
فكأنما قتل الناس جميعا " قال : هي كالتي في" النساء " : (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ) [ سورة النساء : 93 ] ، في جزائه .
11785 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
فكأنما قتل الناس جميعا " كالتي في" سورة النساء " ، (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) في جزائه " ومن أحياها " ، ولم يقتل أحدا ، فقد حيي الناس منه .
11786 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
أبو معاوية ، عن
العلاء بن عبد الكريم ، عن
مجاهد في قوله
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، قال : التفت إلى جلسائه فقال : هو هذا وهذا .
وقال آخرون : معنى ذلك : ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ، لأنه يجب عليه من القصاص به والقود بقتله مثل الذي يجب عليه من القود والقصاص لو قتل الناس جميعا .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 237 ]
11787 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا " ، قال : يجب عليه من القتل مثل لو أنه قتل الناس جميعا . قال : كان أبي يقول ذلك .
وقال آخرون معنى قوله : "ومن أحياها" : من عفا عمن وجب له القصاص منه فلم يقتله .
ذكر من قال ذلك :
11788 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، يقول : من أحياها أعطاه الله جل وعز من الأجر مثل لو أنه أحيا الناس جميعا " أحياها " فلم يقتلها وعفا عنها . قال : وذلك ولي القتيل ، والقتيل نفسه يعفو عنه قبل أن يموت . قال : كان أبي يقول ذلك :
11789 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
مؤمل قال : حدثنا
سفيان ، عن
يونس ، عن
الحسن في قوله : "
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، قال : من عفا .
11790 - حدثنا
سفيان قال : حدثنا
عبد الأعلى ، عن
يونس ، عن
الحسن : "
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، قال : من قتل حميم له فعفا عن دمه .
11791 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
يحيى بن يمان ، عن
سفيان ، عن
يونس ، عن
الحسن . "
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، قال : العفو بعد القدرة .
[ ص: 238 ]
وقال آخرون : معنى قوله : "
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، ومن أنجاها من غرق أو حرق .
ذكر من قال ذلك :
11792 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
مجاهد : "
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " قال : من أنجاها من غرق ، أو حرق ، أو هلكة .
11793 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
أبي ، وحدثنا
هناد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد : "
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، قال : من غرق ، أو حرق ، أو هدم .
11794 - حدثني
الحارث قال : حدثنا
عبد العزيز قال : حدثنا
إسرائيل عن
خصيف ، عن
مجاهد : "ومن أحياها" ، قال : أنجاها .
وقال
الضحاك بما : -
11795 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
ابن يمان ، عن
سفيان ، عن
أبي عامر ، عن
الضحاك قال : "من قتل نفسا بغير نفس" ، قال : من تورع أو لم يتورع .
11796 - حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ قال : حدثني
عبيد بن سليمان قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : "
فكأنما أحيا الناس جميعا " ، يقول : لو لم يقتله لكان قد أحيا الناس ، فلم يستحل محرما .
[ ص: 239 ]
وقال
قتادة ، والحسن في ذلك بما : -
11797 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
عبد الأعلى ، عن
يونس ، عن
الحسن : "
من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض " ، قال : عظم ذلك .
11798 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس " الآية ، من قتلها على غير نفس ولا فساد أفسدته"
فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " عظم والله أجرها ، وعظم وزرها! فأحيها يا ابن
آدم بما لك ، وأحيها بعفوك إن استطعت ، ولا قوة إلا بالله . وإنا لا نعلمه يحل دم رجل مسلم من أهل هذه القبلة إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه ، فعليه القتل أو زنى بعد إحصانه ، فعليه الرجم أو قتل متعمدا ، فعليه القود .
11799 - حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، قال : تلا
قتادة : "
من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " قال : عظم والله أجرها ، وعظم والله وزرها!
11800 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
سويد بن نصر ، قال : أخبرنا
ابن المبارك ، عن
سلام بن مسكين قال : حدثني
سليمان بن علي الربعي قال : قلت
للحسن : "
من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس " الآية ، أهي لنا يا
أبا سعيد ، كما كانت لبني إسرائيل؟ فقال : إي والذي لا إله غيره ، كما كانت لبني إسرائيل! وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا؟
11801 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
سويد بن نصر قال : أخبرنا
ابن [ ص: 240 ] المبارك ، عن
سعيد بن زيد قال : سمعت
خالدا أبا الفضل قال : سمعت
الحسن تلا هذه الآية : "
فطوعت له نفسه قتل أخيه " إلى قوله : "
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، ثم قال : عظم والله في الوزر كما تسمعون ، ورغب والله في الأجر كما تسمعون! إذا ظننت يا ابن
آدم ، أنك لو قتلت الناس جميعا ، فإن لك من عملك ما تفوز به من النار ، كذبتك والله نفسك ، وكذبك الشيطان .
11802 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
ابن فضيل ، عن
عاصم ، عن
الحسن في قوله : "
فكأنما قتل الناس جميعا " قال : وزرا " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " قال : أجرا .
قال
أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال : تأويل
[ ص: 241 ] ذلك : أنه من قتل نفسا مؤمنة بغير نفس قتلتها فاستحقت القود بها والقتل قصاصا أو بغير فساد في الأرض ، بحرب الله ورسوله وحرب المؤمنين فيها فكأنما قتل الناس جميعا فيما استوجب من عظيم العقوبة من الله جل ثناؤه ، كما أوعده ذلك من فعله ربه بقوله : (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) [ سورة النساء : 93 ] .
وأما قوله : "
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " فأولى التأويلات به قول من قال : من حرم قتل من حرم الله عز ذكره قتله على نفسه ، فلم يتقدم على قتله ، فقد حيى الناس منه بسلامتهم منه ، وذلك إحياؤه إياها . وذلك نظير خبر الله عز ذكره عمن حاج
إبراهيم في ربه إذ قال له
إبراهيم : (
8 ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت ) [ سورة البقرة : 258 ] . فكان معنى الكافر في قيله : "أنا أحيي" ، أنا أترك من قدرت على قتله - وفي قوله : " وأميت " ، قتله من قتله . فكذلك معنى" الإحياء " ، في قوله : " ومن أحياها " ، من سلم الناس من قتله إياهم ، إلا فيما أذن الله في قتله منهم "
فكأنما أحيا الناس جميعا " .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بتأويل الآية ، لأنه لا نفس يقوم قتلها في عاجل الضر مقام قتل جميع النفوس ، ولا إحياؤها مقام إحياء جميع النفوس في عاجل النفع . فكان معلوما بذلك أن معنى" الإحياء " : سلامة جميع النفوس منه ، لأنه من لم يتقدم على نفس واحدة ، فقد سلم منه جميع النفوس - وأن الواحدة منها التي يقوم قتلها مقام جميعها إنما هو في الوزر ، لأنه لا نفس من نفوس بني
آدم يقوم فقدها مقام فقد جميعها ، وإن كان فقد بعضها أعم ضررا من فقد بعض .