القول في
تأويل قوله عز ذكره ( ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير ( 40 ) )
قال
أبو جعفر : يقول جل ثناؤه لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : ألم يعلم هؤلاء [ يعني القائلين ] : "
لن تمسنا النار إلا أياما معدودة " ، الزاعمين أنهم أبناء الله وأحباؤه أن الله مدبر ما في السماوات وما في الأرض ، ومصرفه وخالقه ، لا
[ ص: 301 ] يمتنع شيء مما في واحدة منهما مما أراده ، لأن كل ذلك ملكه ، وإليه أمره ، ولا نسب بينه وبين شيء مما فيهما ولا مما في واحدة منهما ، فيحابيه بسبب قرابته منه ، فينجيه من عذابه ، وهو به كافر ، ولأمره ونهيه مخالف ، أو يدخله النار وهو له مطيع لبعد قرابته منه ، ولكنه يعذب من يشاء من خلقه في الدنيا على معصيته بالقتل والخسف والمسخ وغير ذلك من صنوف عذابه ، ويغفر لمن يشاء منهم في الدنيا بالتوبة عليه من كفره ومعصيته ، فينقذه من الهلكة ، وينجيه من العقوبة "والله على كل شيء قدير " ، يقول : والله جل وعز على تعذيب من أراد تعذيبه من خلقه على معصيته ، وغفران ما أراد غفرانه منهم باستنقاذه من الهلكة بالتوبة عليه وغير ذلك من الأمور كلها قادر ، لأن الخلق خلقه ، والملك ملكه ، والعباد عباده .
وخرج قوله : "
ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض " ، خطابا له صلى الله عليه وسلم ، والمعني به من ذكرت من فرق بني إسرائيل الذين كانوا
بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما حواليها . وقد بينا استعمال العرب نظير ذلك في كلامها بشواهده فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .