[ ص: 313 ] القول في تأويل قوله عز وجل (
يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يحرف هؤلاء السماعون للكذب ، السماعون لقوم آخرين منهم لم يأتوك بعد من اليهود"الكلم " . وكان تحريفهم ذلك ، تغييرهم حكم الله تعالى ذكره الذي أنزله في التوراة في المحصنات والمحصنين من الزناة بالرجم إلى الجلد والتحميم . فقال تعالى ذكره : "يحرفون الكلم " ، يعني : هؤلاء اليهود ، والمعني حكم الكلم ، فاكتفى بذكر الخبر من "تحريف الكلم " عن ذكر"الحكم " ، لمعرفة السامعين لمعناه . وكذلك قوله : "من بعد مواضعه " ، والمعنى : من بعد وضع الله ذلك مواضعه ، فاكتفى بالخبر من ذكر"مواضعه " ، عن ذكر"وضع ذلك " ، كما قال تعالى ذكره : (
ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر ) [ سورة البقرة : 177 ] ، والمعنى : ولكن البر بر من آمن بالله واليوم الآخر .
وقد يحتمل أن يكون معناه : يحرفون الكلم عن مواضعه فتكون"بعد " وضعت موضع"عن " ، كما يقال : "جئتك عن فراغي من الشغل " ، يريد : بعد فراغي من الشغل .
ويعني بقوله : "
إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " ، يقول هؤلاء الباغون السماعون للكذب : إن أفتاكم
محمد بالجلد والتحميم في صاحبنا"فخذوه " ، يقول : فاقبلوه منه ، وإن لم يفتكم بذلك وأفتاكم بالرجم ، فاحذروا .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 314 ]
ذكر من قال ذلك :
11931 - حدثنا
أبو كريب قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير ، عن
ابن إسحاق قال ، حدثني
الزهري قال : سمعت رجلا من
مزينة يحدث
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : أن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة حدثهم في قصة ذكرها "
ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك " ، قال : [ أي الذين بعثوا منهم من بعثوا وتخلفوا ، وأمروهم بما أمروهم به من تحريف الكلم عن مواضعه ، فقال : "
يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه " ، للتجبيه "
وإن لم تؤتوه فاحذروا " ، أي الرجم .
11932 - حدثنا
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله : "
إن أوتيتم هذا " ، إن وافقكم هذا فخذوه . يهود تقوله للمنافقين .
11933 - حدثنا
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، "
إن أوتيتم هذا فخذوه " ، إن وافقكم هذا فخذوه ، وإن لم يوافقكم فاحذروه . يهود تقوله للمنافقين .
11934 - حدثني
محمد بن الحسين قال ، حدثنا
أحمد بن المفضل قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
يحرفون الكلم من بعد مواضعه " ، حين حرفوا الرجم فجعلوه جلدا "
يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " .
11935 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
إسحاق قال ، حدثنا
عبد الله بن الزبير ، عن
ابن عيينة قال ، حدثنا
زكريا nindex.php?page=showalam&ids=16878ومجالد ، عن
الشعبي ، عن
جابر : "
يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه " ، يهود فدك ، يقولون ليهود
[ ص: 315 ] المدينة : إن أوتيتم هذا الجلد فخذوه ، وإن لم تؤتوه فاحذروا الرجم .
11936 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، nindex.php?page=hadith&LINKID=812128عن ابن عباس قوله : " إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " ، هم اليهود ، زنت منهم امرأة ، وكان الله قد حكم في التوراة في الزنا بالرجم ، فنفسوا أن يرجموها ، وقالوا : انطلقوا إلى محمد ، فعسى أن يكون عنده رخصة ، فإن كانت عنده رخصة فاقبلوها! فأتوه ، فقالوا : يا أبا القاسم ، إن امرأة منا زنت ، فما تقول فيها؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : كيف حكم الله في التوراة في الزاني؟ فقالوا : دعنا من التوراة ، ولكن ما عندك في ذلك؟ فقال : ائتوني بأعلمكم بالتوراة التي أنزلت على موسى ! فقال لهم : بالذي نجاكم من آل فرعون ، وبالذي فلق لكم البحر فأنجاكم وأغرق آل فرعون ، إلا أخبرتموني ما حكم الله في التوراة في الزاني؟! قالوا : حكمه الرجم! فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت .
11937 - حدثنا
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " ، ذكر لنا أن هذا كان في قتيل من
بني قريظة ، قتلته
النضير . فكانت
النضير إذا قتلت من
بني قريظة لم يقيدوهم ، إنما يعطونهم الدية لفضلهم عليهم . وكانت
قريظة إذا قتلت من
النضير قتيلا لم يرضوا إلا بالقود لفضلهم عليهم في أنفسهم تعززا . فقدم نبي الله صلى الله عليه وسلم
المدينة على تفئة قتيلهم هذا ، فأرادوا أن يرفعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 316 ] فقال لهم رجل من المنافقين : إن قتيلكم هذا قتيل عمد ، متى ما ترفعونه إلى
محمد صلى الله عليه وسلم أخشى عليكم القود ، فإن قبل منكم الدية فخذوه ، وإلا فكونوا منه على حذر!
11938 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال
ابن زيد في قوله : "
يحرفون الكلم من بعد مواضعه " ، يقول : يحرف هؤلاء الذين لم يأتوك الكلم عن مواضعه ، لا يضعونه على ما أنزله الله . قال : وهؤلاء كلهم يهود ، بعضهم من بعض .
11939 - حدثنا
هناد قال ، حدثنا
أبو معاوية nindex.php?page=showalam&ids=16535وعبيدة بن حميد ، عن
الأعمش ، عن
عبد الله بن مرة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب : "
يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " ، يقولون : ائتوا
محمدا ، فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا .