القول في تأويل قوله عز ذكره (
والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ويحكم بالتوراة وأحكامها التي أنزل الله فيها في كل زمان - على ما أمر بالحكم به فيها - مع النبيين الذين أسلموا"الربانيون والأحبار" .
و"الربانيون " جمع " رباني " ، وهم العلماء الحكماء البصراء بسياسة الناس ، وتدبير أمورهم ، والقيام بمصالحهم و"الأحبار " ، هم العلماء .
وقد بينا معنى"الربانيين " فيما مضى بشواهده ، وأقوال أهل التأويل فيه .
وأما " الأحبار " ، فإنهم جمع " حبر " ، وهو العالم المحكم للشيء ، ومنه قيل
لكعب : " كعب الأحبار " .
وكان
الفراء يقول : أكثر ما سمعت العرب تقول في واحد"الأحبار " ، " حبر " بكسر " الحاء " .
[ ص: 342 ] وكان بعض أهل التأويل يقول : عني ب"الربانيين والأحبار " في هذا الموضع :
ابنا صوريا اللذان أقرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم الله تعالى ذكره في التوراة على الزانيين المحصنين .
ذكر من قال ذلك :
12011 - حدثني
محمد بن الحسين قال ، حدثنا
أحمد بن المفضل قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : كان رجلان من
اليهود أخوان ، يقال لهما
ابنا صوريا ، وقد اتبعا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلما ، وأعطياه عهدا أن لا يسألهما عن شيء في التوراة إلا أخبراه به . وكان أحدهما ربيا ، والآخر حبرا . وإنما اتبعا النبي صلى الله عليه وسلم يتعلمان منه . فدعاهما ، فسألهما ، فأخبراه الأمر كيف كان حين زنى الشريف وزنى المسكين ، وكيف غيروه ، فأنزل الله : "
إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا " ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم " والربانيون والأحبار " ، هما
ابنا صوريا ، للذين هادوا . ثم ذكر
ابني صوريا فقال : "
والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء " .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن التوراة يحكم بها مسلمو الأنبياء
لليهود ، والربانيون من خلقه والأحبار . وقد يجوز أن يكون عني بذلك
ابنا صوريا وغيرهما ، غير أنه قد دخل في ظاهر التنزيل مسلمو الأنبياء وكل رباني وحبر . ولا دلالة في ظاهر التنزيل على أنه معني به خاص من الربانيين والأحبار ، ولا قامت بذلك حجة يجب التسليم لها . فكل رباني وحبر داخل في الآية بظاهر التنزيل .
وبمثل الذي قلنا في تأويل " الأحبار " ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 343 ] 12012 - حدثنا
سفيان بن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن
سلمة ، عن
الضحاك : "الربانيون " و " الأحبار " ، قراؤهم وفقهاؤهم .
12013 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
حفص ، عن
أشعث ، عن
الحسن : " الربانيون والأحبار " ، الفقهاء والعلماء .
12014 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
ابن عيينة ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "الربانيون " ، العلماء الفقهاء ، وهم فوق"الأحبار" .
12015 - حدثنا
بشر قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : "الربانيون " ، فقهاء
اليهود "والأحبار " ، علماؤهم .
12016 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16061سنيد بن داود قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عكرمة : "
والربانيون والأحبار " ، كلهم يحكم بما فيها من الحق .
12017 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال
ابن زيد "الربانيون " ، الولاة ، "والأحبار " ، العلماء .
وأما قوله : "بما استحفظوا من كتاب الله " ، فإن معناه : يحكم النبيون الذين أسلموا بحكم التوراة ، والربانيون والأحبار يعني العلماء بما استودعوا علمه من كتاب الله الذي هو التوراة .
و"الباء " في قوله : "بما استحفظوا " ، من صلة " الأحبار " .
وأما قوله : "وكانوا عليه شهداء " ، فإنه يعني : أن الربانيين والأحبار بما استودعوا من كتاب الله ، يحكمون بالتوراة مع النبيين الذين أسلموا للذين هادوا ، وكانوا على حكم النبيين الذين أسلموا للذين هادوا شهداء أنهم قضوا عليهم بكتاب الله الذي أنزله على نبيه موسى وقضائه عليهم ، كما : -
[ ص: 344 ] 12018 - حدثني
محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : "وكانوا عليه شهداء " ، يعني الربانيين والأحبار ، هم الشهداء
لمحمد صلى الله عليه وسلم بما قال ، أنه حق جاء من عند الله ، فهو نبي الله
محمد ، أتته
اليهود . فقضى بينهم بالحق .